‫الرئيسية‬ ثقافة (منمنمات يحيى فضل الله) خطاب حسن احمد شاعر عنوانه ناصية جراح الأزمنة
ثقافة - 17 أكتوبر 2024, 13:01

(منمنمات يحيى فضل الله) خطاب حسن احمد شاعر عنوانه ناصية جراح الأزمنة

بقلم : يحيى فضل الله
———-
( مرقتى
من دربى المكندك بالغبار
هبانى من جهيهتك دعاش
ضجن جيوبى من الفرح
ومنهن طار الفراش
من اول برق جهة الشرق
غرقنى قاش
مرقتى
فى دربى المكندك بالغبار
زفانى طار
و رغم انى ماشى
فى خط مستقيم
الدرب دار
و النوبه تضرب فى الخلايا
كرويات حبى ألإلهى
إنفجرت اذكار و نار
وركضت
درويش يسابق جبتو
مجذوب بيغرق بالنهار
ترجمت
إنغرز الشعاع قعر اللهات
ترجمت بى كل اللغات
الحق يبين ما يندفن
كل الشوارع درب واحد
العمر يوم لكنو ممتد
و اللحظة نصل
تجهد تسنو العمر كلو
إفتح مسامك
و إدخلك
ترجمت
دورت
طرت
منطاد بيعرف سكتو
صوب الفلك
و على الارض كان
صباع رجلى الكبير
فى الحلقة برجل
رشيتينى
بى دمعك افيق
الوان الجبه كشحن
قوس قزح
شنق الاولاد طواقى
و البنات جدعن طرح
رشيتينى
بى همسك افيق
تأوق طريق
مغسول وضح
الحق يبين
ما بندفن
كل الشوارع درب واحد
والعمر يوم لكنو ممتد
و اللحظة نصل
تجهد تسنو العمر كلو
إفتح مسامك وإدخلك)
إنه ، خطاب حسن احمد الذى يتحمل عبء ان تتحول اللحظة الى نصل مسنون تحهد تسنو العنر كلو كى تفتح مسامات طاقته التعبيرية و تدخله ، إنها اللحظة تلك التى حذر الشاعر صلاح عبد الصبور من محاولة إفسادها فى مسرحيته الشعرية – الاميرة تنتظر –
-(إنها اللحظة ، لا تفسدها)-
القصيدة اعلاه يتقمص فيها الشاعر خطاب حسن احمد لحظة ذلك الوجد الصوفى و يركض كدرويش يسابق جبته ، انا أقرأ هذه القصيدة و اكاد اسمع اصوات النوبه و الدفوف و اصوات المداح و ارى و بذاكرة حميمة اجساد الذاكرين و هي تشف من خلال حركاتهم الراقصة المنفلتة فى محاولتهم للسمو ، هذه القصيدة إحتشدت بالافعال الدرامية الصاخبة – ركضت ، ترجمت ، دورت ، طرت – من خلال هذه الافعال تتفجر الصور الشعرية ذات التكثيف العالى – نوبه تضرب فى الخلايا ، زفانى طار ، الدرب دار ، ضجن جيوبى من الفرح ، درويش يسابق جبتو ، مجذوب بيغرق بالنهار ، إنغرز الشعاع قعر اللهات ، منطاد بيعرف سكتو صوب الفلك ، صباع رجلى الكبير فى الحلقة برجل ، الوان الجبه كشحن قوس قزح، رشيتينى بى همسك افيق ، تأوق طريق مغسول وضح ، الحق يبين ما يندفن ، كل الشوارع درب واحد ، العمر يوم لكنو ممتد و اللحظة نصل –
إخترت هذه القصيدة المعنونة ب – درويش – كمدخل عن الشاعر و الكاتب الدرامى و المخرج المسرحى خطاب حسن احمد و لا انسى ان الحق به صفة مهنته كمخرج إذاعى معتدى عليه ب(الصالح العام) من قبل حكومة الانقاذ وكذلك بالاهمال المقصود من قبل إذاعة التجمع الوطنى الدينقراطى، اسف هذه جملة اعتراضية قد تفصل فى مقام اخر ، اقول إخترت هذه القصيدة لانها تعلن و بوضوح عن طاقة خطاب حسن احمد الدرامية و الاستفادة منها فى بناء قصيدته ذات النفس الغنائى العميق ، صدرت المحموعة الشعرية للشاعر خطاب حسن احمد عن مركز الدراسات السودانية فى العام 1996م بعنوان – (شكرا يا نيل )- و بإهداء – الى خليل فرح ، على المك ، عبد العزيز العميري ، الذين أحبوا امدرمان كل على طريقته –
(وانا لافى
فى شارع ما فى
عاينت لقيتك
إنتى الفى
الشارع اصلا
مموه فيك و مخفى)
تتناثر فى هذه المجموعة الشعرية قصائد قصيرة جدا ، قصائد لها ذلك التكثيف المحرض على المتعة ، متعة التأمل للوصول الى فكرة القصيدة و هى تجادل ذائقة المتلقى لها ، تامل معي هذه القصيدة القصيرة
(تنقر
جوف إيقاعات
حسيتك
كنت بتدوزن
دفوف شدوك
و تطربنى
أتاريك
كنت بتنقر جدار سجنك
عشان يرهف
تشق صدرى
وتطير منى)
ان قصيدة خطاب حسن احمد تملك القدرة على التحريض نحو التأمل ، قصيدة مفتوحة التأويل ، تشتبك فيها العلائق ، تتزاحم فيها الصور الشعرية و تحتشد هاربة من ذلك السائد المعروف ، قصيدة تتألف مع الاستثناء و تعلن عن إختلافها ، قصيدة لها بناء يحاول دائما الامساك بتلابيب الفكرة و المعانى ، قصيدة تلامس و بحميمية قضايا الوطن الملحة و الازلية ، تفضح و تعري و تستنهض قيم الحق و الخير و الجمال
( خليني أخد نفسى اول
من اللى باعو للسماسره
و من خزانات البنوك
ارجع الصوت للحلق
خلينى ادخل نيلنا اول
واستحم
و اجيك بى وش منطلق
أدوبى فوق ضهر المزارع
وافرك المحرات فرك
خلينى احفر ساس جديد
واجهز القنا للمرق)
إن صيغة التسأؤل فى القصيدة صيغة لها حيوية الحراك فى نسيج القصيدة ، ذلك الحراك الذى هو دائما بين التساؤل و الاجابة ، لذلك يحرص هذا الشاعر على إستخدام هذه الصيغة ، يقول الشاعر فى احدى قصائده هذه الجملة الشعرية التى توضح علاقته بإستثمار صيغة التساؤل
(اسأل فيك
و اجاباتك
لى مرض السؤال عافية)
إن تساؤلات خطاب حسن احمد الشعرية تتباهى بشفافية عالية لا نملك إزاءها الا ذلك الطرب ، تأمل معي هذه التساؤلات
(مافي حد شايف
ابعد منو همومو
و ما هو دارى بى العليهو
دى جلدو ام هدوم ؟ )
———–
( منو العلم عصافير المدى سكة عيونك ؟)
———–
(منو العلم الروعة العناد
و علم الفكرة إرتياد سطح المنا ؟)
———–
(دبيب الصرخة فينا لمتين نجهجهو بالسكوت ؟)
———–
(صحي إتلاقيتو اصابع كف بتتناغم تجاه الضوء ؟)
———–
( دليب الشمس
يا مخرم ملاية الليل
و يا مقسم جريد نخلك
شعاع دافى
منو الوراك طرب فينى
و شوق محموم
منو الاداك اوصافى ؟)
———–
( لوتعرفى كيف زخم الموجات فى بحر الاب ؟)
———————-
( شن اسويلك ؟
كان رمشك مبرود بالصباح
اكان طرفك ممرود بالفتاكة
و عامله فينا الإجتياح ؟)
———–
تري من يملك الاجابات على هذه التساؤلات الشفيفة ؟ ، على كل ، إنها تساؤلات تثرى ذلك الحراك الجمالى الفكرى بين القصيدة و المتلقى و هاهى قصيدة كاملة تستند علي صيغة التساؤل
(لوشفتى كيف
بنزف نزيف الورد
بالشوك إنطعن
وقتين عيونك ما يجن
و القي المواعيد إنتهن
و اصبح حليف الصحرا
والريح الحفيف ؟
كنت سابقت الزمن
و انتظرت على الرصيف
او شفتى كيف
بترقص خطاى
لمن خطاك
ما تكون معاى
كل الدروب
وكانت تجوب
سكة رؤاى
و انت فى ضراى
كل الطيوب
كنت إنسرقتى
من الزمن
وازدهرتى مع الغروب
لوشفتى كيف ؟
لو شفتى كيف ؟
لو شفتى كيف ؟)
هكذا يقف الشاعر خطاب حسن احمد كى يشكر النيل ، يقف على ناصية جراح الازمنة كى يبصر بعيون الشعر تلك البصيرة بوصلات سكك الاغاني ، قرى الليل القصية ، غبار الوعد الغش ، تضاريس المحن ، نزيف الورد ، إعتمال الاشعة بصدر الظلام ، ذلك الغناء الذى يدخل البيوت كاليوم ، غناء يجعل برارى العمر تخضر ، يبحث عن مسدار القمر ، حبيبة تضحك فى المسام و تقف فوق ضحوة فاتحة على النيل و تحت هديل موجات مسافرة تعزفها الشواطيء ، بصيرته الشعرية تري إحتمالات الصهيل فى وادى اخضر و حبيبة ترقص بين عيونه و عين الشمس ، شوارع تصن كبيت الحبس ، ضجة الضوء فى المكان ، يرى الدنيا تشبه يوم معاد ، جرائد النخيل الصباحى تحمل الحبيبة كالسيايط ، فراش الضحى المنتشيء ، حبيبة تلون بالجراحات السماء ، احلام تتاوق فى الدواخل ، اغنية ترك على حواف القلب ، صنة تتململ حيرانه فوق صاج السكون ، مغنى يمتلك مفتاح سهلة النضمى الحميمة و الشجون ، مغنى يفتل من الدوباى خيوط النار ،البصيرة الشعرية ترى اول برق من جهة الشرق ، كرويات الحب الإلهى ، سواحل الجزر الكئيبة ، بهجة تتاوق من تحت الرمش ، الندى المرشوش على صدر الوهاد ، تاريخ يطلق الشذى ، ايام تتنفس عبق البرارى المزهرة ،يرى الشاعر روحه تسرى فى ليل الحبيبة و يخيط عتمة صمتها و يزرع صحارى الدنيا بالمشى ، ويدخل الشاعر زاوية الطلق الاخيرة ، يتحسس ببصيرته الشعرية الدعاش و هو يشرح لصفق الشجر مجيء الحبيبة الوشيك ، يتحسس صليل الهمس ، يرانا نطلق الزرازير من طول الحبس ، يرى فراشاتنا تختار اللون ، مدن تتنادى على هاتف الصباح ، نهر الفرح المتجمد فى الاعماق يهتز ، يرى الهمس يضج فى ظلامات السكات و ذلك الصخب الذى يسكن العروق ، ببصيرته الشعرية يتحسس الشاعر فكرة ملت شروط الذهاب و يعرف ان الرذاذ سيبدأ العزف و ببصيرته الشعرية يرفض الشاعر ان لايرضع من أثداء الخيبة و الخذلان .
هذا تجول سريع فى عوالم الشاعر خطاب حسن احمد و هى عوالم ثرة اكدت ان العامية السودانية لها حيوية ان تتحمل عبء المضامين العميقة
(شفت فيك زمن مرايا
كل زاوية
وجع براهو
و كل درجة ضوء حكايه
و التناقض
كرت رابح فى الشوارع
العمود المستقيم
اكتفى بى ظل اعوج
و الشجر العقيم
اصبح يحاول
و نوع غريب من النسيم
حظر العصافير
عن الغنا
يا عجايب
يا زمن
يا مرايا بتمتحنا
ياتو يوم سكت الصباح
عن الشدو ؟
ياتو يوم
ما نقرت فيهو العصافير
قشرة الظلم التخينه
ياتو يوم
يا زمن
يا مرايا
يا ثوانى بتتولد
اجسام صقيله
دقيقة يتشوف قبيله
وساعة بتفرج بلد
و ما فى حد شايف
ابعد من همومو
و ما هو دارى
بالعليهو
دى جلدو ام هدومو ؟
و مافى غد
إكفيهو بس
لو عد يومو
إتخيل
الكل قافز سوى
و القوت
معلق فى الفراغ
بى خيط رفيع
و الخيط بيلعب بى
الهواء
إتخيل
الكل قافز سوى
و القوت معلق فى الفراغ
بى خيط رفيع
والخيط بيلعب بى الهواء
إتخيل)
وشكرا لخطاب حسن احمد و هو يشكر النيل و لانملك الا ان ننتظر مجيء – البت الحديقة – التى ستصف للناس الطريقة و للعصافير الجهات .

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 0 / 5. Total : 0

كن أول من يقيم هذا المقال