من هم المزرعيون الجدد؟ هل نحن إزاء حالة إعادة ترتيب للمشهد السياسي السوداني؟ (2)
عمار الباقر
في الحلقة الأولى من سلسلة هذه المقالات تطرقنا إلى وجود مؤشرات تشي بأن المشهد السياسي السوداني في حالة اعادة تموضع على المستويين الإقليمي والمحلي، وقد ركزنا في الحلقة الأولى على مؤشرات إعادة التموضع هذه على المستوي الإقليمي.
في هذه الحلقة سنتناول احتمالات إعادة التموضع على المستوى المحلي والتي يبدو أن هناك لاعبا جديدا فيها في حالة تخلق وسوف نشهد ولادته قريباً. هذا اللاعب الجديد سوف يطلع بدور أساسي في مشروع الهبوط الناعم في نسخته المحدثة وسيكون أحد اهم واجهاته الزاهية، وأعني هنا مجموعة المثقفين والثوريين الداعمين للجيش خلف ستار العداء للجنجويد وقحت ودعوات الحفاظ على الدولة.
هذا اللاعب الجديد سوف يمهد الملعب ويوفر الغطاء السياسي لعملية سياسية جديدة قوامها التحالف بين أطراف أربعة هي:
1. قيادة الجيش الحالية
2. مجموعات رأسمالية طفيلية من بقايا الحركة الإسلامية
3. الحركات المسلحة
4. من يتمكن من إعادة التموضع والقفز من مركب الدعم السريع من أحزاب قحت.
ذلك هو الهبوط الناعم في نسخته الجديدة والذي يتخلق تحت غطاء سياسي وإعلامي مشحون بالاستقطاب والتشنج حتى يتمكن مهندسوا المشروع الجدد وأعني بهم مجموعة المثقفين الداعمين للجيش من تمرير المشروع في غفلة من قوى الثورة تماماً كما فعلت مجموعة المزرعة في عامي 2010 و 2020.
كما أشار إلى ذلك بعض الكتاب النابهين، قد خرج علينا منظروا الهبوط الناعم الجدد بشعارات مضللة الهدف منها مصادرة الثورة مثل شعار ((الشكلة في محلها))، فالشكلة مع الثورة المضادة لم تكن يوماً قابلة للتأجيل أو التغاضى وبالتالي فإن الهدف من هذا الشعار المراوغ هو تصفية الشكلة نفسها وقبول التحالف مع أخطر أطراف الثورة المضادة ألا وهم قادة الجيش ربائب عمر البشير واعضاء لجننته الأمنية. وللأسف يتم كل ذلك تحت دعاوى الانحياز لصغار الضباط والجنود والذي تحول بفعل الهبوط الناعم إلى قميص عثمان الفتنة السودانية وكأنما الحرب التي تدور رحاها اليوم هي لمصلحة فئة صغار الضباط والجنود.
لنتذكر معاً أنه سنة 2010 قد خرج علينا الهبوط الناعم من أحشاء نفس المجموعة الذين تلاعب بهم منظروا الهبوط الناعم خلف شعارات يسارية راديكالية زايدت علي مواقف حزبنا السياسية واتهمتها باليمينية فكانت النتيجة أن قاموا بدعم الحركة الشعبية في انتخابات 2010 ليجدوا انفسهم بعد ذلك في قلب مشروع الهبوط الناعم هم وقادة الحركة الشعبية أمثال ياسر عرمان ومالك عقار الذين مهدوا الطريق لفصل جنوب السودان. ثم تكرر الأمر في 2019 دعما للشراكة مع البرهان وحميدتي خدمة لمصالح الهبوط الناعم في إدماج الاقتصاد السوداني في سوق التبعية واخشي أن يتكرر نفس السيناريو للمرة الثالثة.
هذه المجموعة التي هي في طور التخلق حالياً سوف تشكل واحدة من أخطر اللاعبين المحليين الذين سيلعبون لصالح مشروع الهبوط الناعم في نسخته الجديدة، وسوف ترث الدور الذي كانت تلعبه مجموعات الهبوط الناعم في نسختها القديمة من عناصر قحت/ تقدم والمجموعات المرتبطة بالمنظمات الدولية، ذلك أنها وبحكم ولادتها الحديثة سوف تكون لدريها المقدرة علي المناورة واللعب لصالح أكثر من لاعب إقليمي مثل مصر والسعودية وقطر وبقدر محدود ومحسوب الجزائر.
إذن ما العمل؟
لدينا مهمة كبيرة كقوي ثورية هي التصدي لمخطط الهبوط الناعم في نسخته الجديدة المتسترة خلف شعارات اليسار الراديكالي والذي نجح حتي هذه اللحظة في إختراق بعض المجموعات الثورية صاحبة التفكير الثوري البسيط. ولكي ننجح في هذه المهمة علينا الاسترشاد بالتجارب الدروس التي تعلمناها من تجاربنا السابقة مع قوي الهبوط الناعم في بنسختها الاولي في 2010م ونسختها الثانية في 2029م وأهمها:
1. الابتعاد عن التخوين والخطاب الاتهامي بقدر الامكان فقد اثبتت تجربتنا في 2010 أن قسم كبير من الشباب الذين انخرطوا في العمل مع مجموعات الهبوط الناعم قد إكتشفوا لاحقاً خطأ موقفهم إلا أن الخطاب التخويني الكثيف قد منعهم من العودة أو على الأقل الإنخراط كما يجب في طريق الثورة.
2. عكس تجارب التاريخ القريب وطبيعة وتسلسل الصراع مع قوي الهبوط الناعم في نسخه السابقة وأوجه الشبه بينها وبين ما يدور الآن.
3. نحتاج إلى تفكيك شعارات الهبوط الناعم في نسخته الحديثة والصبر وطول البال في شرح مقاصدها خصوصاً وأن مركز تأثيرها هو شباب ثوري متوثب قد تعوزه الخبرة السياسية، ولكنهم لا يفتقرون إلى الفطنة و وقوة البصيرة وهم الأقدر على تغيير الواقع متى ما استبانوا جادة الطريق.
4. أيضاً نجد أنه قد آن الأوان للتصدي وبقوة لمنظري النسخة الجديدة من الهبوط الناعم خصوصاً أولئك الذين بدأوا في الاصطياد في المياه العكرة والاستثمار في سقطات وسواقط حزبنا وبعض حلفائه والقوى الثورية المحسوبة عليه متوهمين أنهم بذلك سوف يتمكنون من بناء تيار يساري علي مقاسهم ووفق تصوراتهم التي لا تتعدي ذواتهم.
ختاماً أود التشديد على مسألتين مهمتين ومرتبطتين ببعضهما البعض: الأولى هي ضرورة التفريق بين الجيش كمؤسسة قوامها صغار الضباط والجنود، وقيادة الجيش كواحدة من أهم وأخطر اللاعبين في معسكر الثورة المضادة والهبوط الناعم. والمسألة الثانية هي أهمية التفريق بين شباب الثورة الذين انحازوا في لحظة غفلة الي الجيش وبين أولئك المثقفين الطامحين الذين يطبلون لقيادة الجيش ويلعبون دور المحلل لكل جرائمها التي إرتكبتها سابقاً وترتكبها حاليا وسوف ترتكبها مستقبلاً.
إن فئة كبار الضباط ومن يشايعهم من مثقفين ونجوم ميديا هم الوجه الجديد للهبوط الناعم الذي لا ينبغي التساهل معهم، أما صغار الضباط والجنود وأولئك الثوريون الذين انحازوا اليهم فعليهم واجب فصل الحبل السري الذي يربط بينهم وبين الوجه الجديد للهبوط الناعم وأعني هنا قادة الجيش ومجموعة الحمدوكيون الجدد الذين يتولون مهمة تمرير المشروع في نسخته الجديدة. فاستعادة مسار الثورة لا يتم بحملات نحن هنا ولازلنا كما كنا علي صفحات التواصل الاجتماعي بل بازاحة قادة الجيش والحمدوكيين الجدد من المشهد وقطع الطريق أمام أي دور سياسي مستقبلي لهم.