ثقافة النبتة السعيدة ١٨ بلص
د مصطفى مدثر
يمكن للمرء أن يتوقع صعوداً في (تعاطي) الحشيش، الذي هو البنقو، وسط ضحايا الحرب، بدافع تجريبهم لما قد يرفع عنهم أعراض أزمة الحرب. ونريد لهذا التوقع ان لا يزعج القاري فنذكره أنه كان في الماضي مونولوج غنائي رائج للفنان الراحل بلبل يقول فيه: البنقو عِدِم بقا زي السم أدوهو اسم سمّو الحُرقي. وما أدراك ما الحُرَقي! كان ذلك في زمن شح المعلومات. أما الآن فسيقبل الناس على هذا النبات متعدد الفوائد وسينفعهم في ردع أحد أدواء الحرب العتيدة ألا وهو داء ال (PTSD) أو (اضطراب الكرب التالي للرضح) والرضح ترجمة لكلمة تروما، نرى فيها المعادل العربي المقنع، ففي الرضح راء الرعب، ضاد الضغط وحاء الحرب. والعِلة (PTSD) قد أصابت بلا شك ٢٥٪ أو أكثر من ضحايا الحرب كحالة مزمنة chronic بينما لن ينج من أعراضها الآنية acute أحد من النسبة الباقية (٧٥٪). فهنيئاً لهم، النازحين بالذات والنازحات منهم، خروج هذا البلسم من خباء الممنوع وخلاصه من وصمة المعيب. حيث ثبت بالدراسات الطبية المحكمة أن هذا النبت، الذي كان شيطانياً فيما قبل، ذو أثر بليغ في اخماد أعراض هذه الِعلة أو التروما مؤكدة الحدوث، وكنت قد كتبت في صفحتي بالفيسبوك منبهاً، في بداية الحرب، بالخسارات النفسية لاضطراب الكرب وبتكلفة علاج هذه الخسارات العالية، إلاّ فيما أنا بصدده هنا، فهو علاج زهيد بالمقارنة مع الأدوية التي في الصيدليات. والأمر هنا محض توصية يأخذها الشخص المعَنّى إلى طبيبه، فحتى في أمريكا يوصي الطبيب بالعشبة weed لكنه لا يكتبها في وصفة (روشتة) لأن العقار المقصود (cannabis) لا زال خارج جداول الأدوية المسموح بوصفها. وهذه التوصية تحتاج لطبيب معالج وكادر له المعرفة في تأكيد الحاجة لهذا النوع من العلاج وادارة الآثار الجانبية وضبط الجرعة سواء كانت تدخيناً أو فيب vape، أو شيشة، أو سيجارة ملفوفة، أو مشروب بالفم أو مخبوز، الخ من أشكال وجود هذه النبتة السعيدة. على ان لا تمنح هذه التوصية لمَن هم دون الخامسة والعشرين عاماً. فصرنا نتحدث عن البنقو ليس كتلك السلعة التي يصيبك انعدامها ب(حراق) الروح على أيام الجاهلية العشبية وطلائعها الذين مرروا أكيدة تعاطيهم لها بوسيلة الفن وجرأة التعبير وغدونا نراها بُداً من أبداد العلاج. أما مفاجأة هذا المقال الصغير والتي ستلطف كثيراً من جرأة ظاهرة في نصه وتخفت أصوات المعارضين وحملة الأوصام، فهي أنه تأكد علمياً وجود جهاز طبيعي (نولد به كلنا) وموجود في الثديات الأخرى اسمه الجهاز القِنبي الباطني، بمعني ان بداخل كل منا قدراً من البنقو بوظائف محددة ضمن هذا الجهاز الذي يعمل بتنسيق مع أجهزة الجسم الأخرى المعنية بضبط حياة الكائن، يعني “وفي أنفسكم…” ولكن تطورياً ومن زمن سحيق.