السر السيد يكتب: إذاعة هنا أمدرمان.. برنامج من روائع المسرح العالمي
السر السيد
إشارة أولى:
أُنشأت إذاعة (هنا أمدرمان) أو الإذاعة القومية وفقا للاسم الرسمي في أبريل من العام 1940 وقد أنشأها الاحتلال البريطانى 1898_1956 لأغراض الدعاية الحربية لحروبه الإقليمية والدولية فى ذلك الوقت وبعد ذلك تطورت فى برامجها وهياكلها الإدارية وتخلٌقت منها إذاعات ولائية واذاعات موجهة واذاعات متخصصة.
إشارة ثانية:
بخصوص فن المسرح وعلاقة الاذاعة القومية به، يكفينا أن نشير إلى أن الدراما الاذاعية كنوع من الخدمة الإذاعية التي قدمتها الإذاعة القومية قد بدأت مع نهايات الأربعينيات من القرن الماضي مما يعني أن بث المسرحيات سيقوم على ذلك الارث وخبراته وطلائعه المؤسِسة.
برغم الفرضية التى تقول: إن العرض المسرحى مكانه الطبيعى (خشبات) المسارح باعتباره فناً مرئياً، وهي صحيحة إلى حد كبير، إلا أنه وبالمقابل بإمكان هذا الفن نفسه أن يتعايش مع الوسائط التعبيرية الأخرى كالراديو والسينما والتلفزيون وقد شهدنا الكثير من التجارب في هذا المجال، فالراديو مثلا يسطيع بماله من تقاليد (اخراجية) وأساليب (تقنية)، في إدارة الصوت وذلك بالتحكٌم في تنويعاته من جهر وهمس وصمت وصدى ومزج و تكرار وتحديد للمسافة بين صوت وآخر-يستطيع- ان يجعل المستمعين والمستمعات عبر تحفيز خيالهم أن يحسوا وكأنهم يشاهدون ما يسمعون. أو ليست الاذاعة هي (فن الرؤية عبر الأذن) كما يقول المخرج الإذاعي الكبير بروفيسور صلاح الدين الفاضل.
اشارة ثالثة:
يحقق إنتاج النصوص المسرحية عبر الراديو عددا من الاهداف لعل أهمها:
أ/إتاحة فرصة اكبر لتشاركية التمتع بفن المسرح وبما يطرحه من قضايا بدلا من أن يكون هذا حكرا بين سكان المناطق التي توجد فيها دور عرض مسرحي.
ب/يتيح إمكانية إنتاج عدد كبير من النصوص حيث أن الإنتاج في الراديو أقل تكلفة من الانتاج عل (خشبات) المسارح.
ج/اجتراح معالجة أخرى للنص المسرحي وذلك عبر تقديمه من خلال وسيط آخر له منطقه الخاص هو الراديو بما له من إرث في الدراما الاذاعية على مستويات فن الإخراج وتوظيف التقنية.
د/يساعد في تنمية مهارات الممثلين في الأداء التمثيلي باللغة العربية الفصيحة وهو أمر ضروري.
ذ/تمليك المستمعين والمستمعات قدرا من المعرفة بالتجارب المسرحية غير السودانية، كتابا وقضايا وثقافة.
ز/يمثل مادة نموذجية في التبادل الإذاعي بين إذاعات الدول العربية بسبب أنه فن وبسبب أنه ينهض على لغة مشتركة هي العربية الفصيحة، ولا ننسى هنا توصيات اتحاد إذاعات الدول العربية وحضٌه المستمر على أهمية تقديم النصوص والعروض المسرحية عبر الراديو والتلفزيون.
و/من جانب آخرٍ يسد بعض الفجوات في عدم توفر النص المسرحي السوداني ذي المواصفات الجيدة شكلا وموضوعا، وكذلك الفجوة في ضعف الانتاج.
*برنامج من روائع المسرح العالمي*:
لعل ما تجدر الإشارة له هنا هو أن الإذاعة القومية (إذاعة هنا أمدرمان)، قد عرفت تقديم نصوص (المسرح العالمي) أو للدقة النصوص المسرحية المترجمة منذ وقت ليس بالقصير، تحت عناوين مختلفة مثل برنامج (من المسرح العالمي)، الذي تعاقب على إعداده وإخراجه والمشاركة في التمثيل عددا مقدرا من صناع الدراما الاذاعية وروادها أو برنامج (نماذج من الأدب الأفريقي)، الذى كان يعده الأستاذ محمد عبدالله عجيمي ويخرجه خطاب حسن أحمد وقدمت من خلاله العديد من المسرحيات الأفريقية، أو برنامج (من المسرح الأفريقي) من اخراج ماجورى الينانا، أو (دهاليز الزمن) الذي كان يعده المخرج الأستاذ عادل حربي.
من خلال كل هذه البرامج وربما غيرها مما اختزنته ذاكرة الإذاعة السودانية بُثت عشرات المسرحيات المترجمة من عيون المسرح الأفريقي والآسيوي والأوروبي والأمريكي، وهو ما شكل ذاكرة ثرة وتجربة نوعية تأسس عليها برنامج (من روائع المسرح العالمي).
*عن البرنامج*:
قدم البرنامج عددا من النصوص المسرحية التي تعد من عيون المسرح في العالم ودُشٌنت حلقته الأولى في العام 2021، بزمن نصف ساعة للحلقة وقد تحتاج بعض المسرحيات إلى أكثر من حلقة. في بدايته كان يبث في يوم الخميس من كل أسبوع فى الساعة الحادية عشرة ليلا ثم تحوٌل ليبث في يوم السبت من كل أسبوع في الساعة السابعة والنصف مساء. البرنامج من إعداد وإخراج المخرج والممثل الشاب عاطف خالد محمد الشهير بـ (عاطف قطيري).
وفي ما يخص طريقة العرض التي اتخذها البرنامج،سنجد البرنامج يبدأ بما يشبه الراوي والذي هو ممثل في الأصل وتنحصر مهمته في التعريف بكاتب النص وتقديم معلومات عن طبيعة النص والربط بين المَشاهد (المسامِع)، مضافا لهذا بالطبع أدوات بناء المسمع الإذاعي من مؤثرات صوتية وفواصل موسيقية بين مسمع وآخر (مشهد وآخر).
أما في ما يتعلق بالفلسفة أو الرؤية التي تقف وراء اختيار النصوص فسيستشعر المتابع لحلقات البرنامج أن ثمة قصدا وتعمٌدا يقف وراءها، فنظرة سريعة إليها تكشف صلتها بالواقع السوداني هنا وهناك وكذلك أبعادها الإنسانية العامة، فبعض هذه النصوص قارب موضوعات ذات صلة بالعنف والسلطة كمسرحيتي (ماكبث) و (الملك لير) لشكسبير وبعضها قارب موضوعات ذات طابع إنساني عام كالغيرة والعنصرية كما في مسرحية عطيل وبعضها قارب موضوعات ذات طابع اجتماعي كحقوق المرأة كما في مسرحية (بيت الدمية) لأبسن أو العنف المجتمعي كما في مسرحية (رامشون) لريونو سوكي أو الاغتراب والوحدة كما في مسرحية (الكلاب الضالة) لفوسيه وبعضها قارب موضوعات ذات صلة بالحرب كما فى مسرحية الأم شجاعة لبريخت.
بالطبع ما كان لهذا الاختيار بتعبيره عن البعدين السوداني والإنساني العام أن يتم لو لا توفر المعد والمخرج قطيري على معرفة لصيغة بالمسرح وتدخلاته الحميدة في الأسئلة المجتمعية والوجودية.
*نماذج من النصوص التي تم إنتاجها وبثها*:
إضافة لما ذكرت آنفا من نصوص فقد تم انتاج وبث مسرحيات (طبول في الليل) لبريخت و (الأب) لاسترندبرج و (هاملت) لشكسبير و(الدب) لتشيخوف و(طرطوف) لمولير و(اللعبة) للنيجيري فيمي بوبا و(العطسة) لنيل ساينون و(البطة البرية) لهنريك ابسن و(قصة حديقة الحيوان) لادوارد ألبى و(السيد) لكورنى و(الجلادان) لأرابال.
*فريق عمل البرنامج*:
في التمثيل، الممثل الكبير محمد عبدالرحيم قرني ونادية أحمد بابكر والرشيد أحمد عيسى وسلوى درويش ومحمدالمجتبى موسى وعبد الحكيم عامر وسميرة مسعود وأميرة أحمد إدريس وطارق البحر وعبدالرافع حسن بخيت وغدير ميرغني وسيد أحمد محمدالحسن وسارة أحمد البله وزهير حسن أحمد و محمد عليش وزروق عبد الماجد.
وفى التسجيل والمونتاج عباس محمود.
*عن المعد والمخرج*:
عاطف خالد محمد (عاطف قطيرى)
ماجستير التربية..تكنولوجيا التعليم..جامعة النيلين..السودان 2012
بكلاريوس الشرف.التربية والدراما.جامعة النيلين 2008.
من اصحاب العطاء الكبير فى التمثيل والاخراج ومن المسرحيات التى اخرجها نذكر:
زمن البحر لحامد جمعة والحرابة لسيد صوصل وثامن ايام الأسبوع للعراقي علي عبدالنبي الزيدي والفيل يا ملك الزمان ومغامرة رأس المملوك جابر للسوري سعدالله ونوس وغيرها.