نقارة في ساحة مولد الوطن.. الدلالات السياسية والاجتماعية لمواكب الفرح
بقلم: مجدي عبد القيوم (كنب)
*الحقيقة الدامغة أن الشارع “مرق”
*فشل المشروع الدولي في السودان
*افتقار المليشيا ومناصريها للسند الجماهيري
*اكدت الحرب أن القوات المسلحة عصية علي المجابهة
*تجلى بوضوح نجاح فكرة المقاومة الشعبية
*ثبت خطل فزاعة الحرب الاهلية
طبل العز ضرب
يا السرة قومي
خلاس
الفرسان هديك في الساحة ختو
الساس
والخيل عركسن والدنيا بوق
ونحاس
والبنوت زغاريدن تجيب
الطاش
السودان خلاس
طبل العز ضرب
والخيل تسابق
الخيل
من اخر الجنوب
لعطبرة
توتيل
يا شجر الهشاب قوم يلا نمشى
النيل
ويا لوز القطن قوم تاني فتح
وشيل
وارقص يا نخيل فوق السواقي
وميل.
طبل العز ضرب
حيا عليك يا كفاح
والاذأن نده حيا عليك يا صباح
والشارع مرق تاني
بسوي التاح
شايل النور ومالي بالاغاني الساح
طبل العز ضرب.
يا بنية داوي
جراح.
خلي الناس تنوم
بعد الشقاء
وترتاح
*الحاردلو*
في غمرة الانتشاء بتلك المشاهد الحية التي سدت سد عين الشمس بمثلما ‘قدت عين الشيطان’ وتسربت في مسام الشوارع فرحا ابتهاجا لم أجد في الغناء الوطني السوداني علي ما به من ثراء ما اعمق تعبيرا اكثر من قصيدة الحردلو التي ابتدرنا بها المقال.
رأيت القصيدة مجسدة تمشى برجليها أمام الاعين وتسمو وتطاول عنان السماء مثلما استطالت عزا وشموخا هامات الرجال والنساء وهم يهتفون جيش واحد شعب واحد
بل رايت الحاردلو نفسه بسمته وقد خلع زي السفير وارتدي الزي إلقومي يمارس عادة عشيرته في الافراح مكتشفات سيفه ويرقص الصقرية فهذا يوم عرس البلاد التي طالما تغني بها
كيف حدث ذلك وما المؤثر فليس هذا مهما
الحقيقة الدامغة التي لا تقبل الضحد أن الشعب السوداني بكافة فئاته خرج سواء بدافع ذاتي أو حتي أن كان ذلك الخروج علي اثر نداء “من محمود الكذاب”
ليس مهما كيف خرج
ما يعنينا انه خرج والتحم بقواته المسلحة أهازيج وغناء وبكاء ودموع رجال وزغاريد نساء تردد صداها وارتد خنجرا في صدور أعداء هذه البلاد .
مؤكد أن لذلك دلالات سياسية واجتماعية نتناولها بالقراءة والتمحيص في هذا المقال.
ما وراء صورة الشارع رسالة بليغة أن الشعب السوداني يدرك جيدا أبعاد المؤامرة الدولية التي تتعرض لها البلاد وان المسوغات والمبررات التي تم ضخها عبر الخطاب الاعلامي المصاحب الحرب كاسباب لها محض ادعاءات واكاذيب واثبت أنه شعب فطن ولعل اكثر ما اصاب بالدهشة بعض الاقلام الصدئة واطار صوابها وافقدها المنطق التحام تلك الجموع بالجيش واحتضان الامهات والاباء للجنود وهي التي استثمرت في مشروع صناعة العزلة بين المواطنين والجيش ودق اسفين بينهما.
ذلك هو الذي اصاب الكثيرين في مقتل وتسبب في الاحتشاء في عضلة القلب
للبعض والغصة في حلوق اخرين
لم تجد تلك الاقلام بعد زوال الصدمة بدءا من منهج الالهاء علي قول المفكر تشوميسكي الذي يطابق مصطلح تشتيت الكرة بالتركيز علي معركة المصفاة وان الجيش لم ينجح في استرداها من قبضة المليشيا وانه ليس من سبب للفرح وان تلك الجموع مخدوعة بل ودخل كثير من الكتاب سواء ممن يمالون المليشيا أو المصابون بفايروس كوزونا المتحور مجال تجارة العلف في سوق الملجة السياسي فكسدت تجارتهم ولم تجد مشتر.
سقوط مدوي نزع عنهم حتي القناع الذي كانوا يتخفون خلفه فما من مشتغل في العمل العام يمكن أن يسىء لشعب بكامله.
فات علي تلك الاقلام التي تقمص بعضها شخصية ثعلب الصحراء مونتجمري أو الجنرال جياب ان الجماهير لم تخرج لأجل معركة المصفاة فما هي القيمة الرمزية والمادية للمصفاة مقارنة بالمتحف القومي الذي خربته ونهبت مقتنياته المليشيا؟
لم تفطن تلك الاقلام أن تلك الجماهير خرجت لاجل مساندة جيشها في معركته لأجل سيادة ووحدة البلاد وطرد الغزاة الذين حشدهم رعاة المشروع الدولي لتنفيذ أجندته
فات علي هؤلاء أن المؤسسة العسكرية التي ظلوا يقدحون في كفاءتها مؤسسة عريقة راكمت خبرات ثرة لها صولات وجولات في داخليا وعلي امتداد تاريخ الحروب العالمية وفي المنطقة وانها عصية علي التركيع مثلما اثبتت انها محصنة ضد الاختطاف من القوي السياسية من اقصى اليسار الي اقصى اليمين وما بينهما.
هذه المؤسسة هي نفسها التي ظلت تنحاز الي جانب الشعب في كل المنعطفات التاريخية
من الدلالات الهامة في كرنفال الشارع اثباته بما لا يدع مجالا للشك افتقار المليشيا للسند الجماهيري وتلك طبيعة الأشياء والفطرة السوية فما من بشر يمكن أن تألف نفسه قبول من يرتكب كل أشكال الجرائم والفظائع التي ارتكبتها هذه المليشيا
وقطعا يطال عدم الرفض وعدم القبول كل من ظاهر هذه المليشيا وحاول شرعنة وجودها ايا كانت المبررات.
دلالة اخري بدت بوضوح من خلال مشاهد المعارك هو الاثر الكبير للمقاومة الشعبية في تشكيل وصناعة المشهد سواء علي المستوي العملياتي أو الاسناد المدني.
برز بشكل جلي دور المقاومة الشعبية والمستنفرين في الميدان وكأن نبؤة الراحل الكبير غازي سليمان قد مثلت زرقاء اليمامة وعاد واسس لها نظريا الدكتور محمد جلال هاشم بان المقاومة الشعبية هي السلاح الماضي لمجابهة الاستعمار بكافة تمظهراته وما ابهي صورة ذلك الشاب غض الاهاب في مقتبل سنوات الحلم الاخضر وهو يحتضن اباه وهما يمتلئلأن فرحا وزهوا ياليت شعري من أين كوكب اتيا امن ذات الذي سخر فيه حداة اليسار من الفكرة لانها لم تطابق ما جاء في قاموس الثورة عندهم؟
يا مرحي بك يا فتي وبابيك وهو يخوض معك غمار المعارك أو بالادق حمام الموت غير هياب ولا وجل
في المشهد رجالات وشيوخ واعيان المجتمعات في ابهي الحلل يسيرون قوافل الامداد بكافة اشكاله سلعا وموادا وسلاحا تشوينا وتموينا
تلك نقطة ضوء عالية القيمة عميقة الدلالة وبرقية في بريد الطامحين في نهب ثرارات هذه البلاد بان لها من “يتحزم ويتلزم” أن دعا الداعي وهو يغني
وطن الجدود
نفديك بالارواح
نجود
اعمق واهم هذه الدلالات تمثلت في التنوع الاثني في الكرنفال الشعبي العفوي فقد بان في الصورة السودان بكافة مكوناته وسحناته وألسنته كما قوس قزح عندما يملأ بالوانه الزاهية الافق
أنه ذلك التنوع الغني الذي فشل الساسة في ادارته فاذا به يتمثل عيانا بيانا بلا حاجة لنظريات ولا برامج وورش كذوبة وكأنه يبعث برسالة في بريد المنظمات المشبوهة مؤداها لا..شكرا لكم
السودان بلدنا ونعرفه أكثر منكم لسنا في حاجة لكم فنحن نعرف خيوط نسيج المجتمع وتقاطعات انصهاره وتزاوجه بل حتي وشم بطون القبائل علي بهائمها ناهيك عن شلوخها نفسها .
أيام كانت الشلوخ قيمة جمالية ومدعاة للغزل
ولي حبيب يا ناس اشوف شلوخو يلالو
مع الظلام تشتاق الزهرة تتدلالو
ويا لروعة الصورة الشعرية وهي تنبئك بالانكسار الضوئي في الشعاع الساقط.
هذا قبل أن تتحول تلك القيمة إلي سالبة ويزدهي الشعر ويحتفي بالسادة
يا جميل يا سادة
حبك ملكني زيادة.
احتشد الشارع تنوعا وتعددا كانما هو ثوب مزركش علي جيد حسناء خلاسية من رحم ابنوسة ونخلة ناطقة الجسد تجيد الصمت وتترك لجسدها اتقان البوح بالاسرار
يا مرحي بذلك التنوع الذي فرش توب العيد في السهلة
تلك السهلة بدت فيها الحسناوات من كل شعوب السودان جنبا إلي جنب وشبالا بنقزة ودويتو متناغم بين حفيدات مهيرة واماني شختو
تماهت قشيشة الخريف الخدراء مع تلك التي لا تحتمل عبء
حمل الجردل
يا ويحي
عيني عليكم باردة
اقدلوا وسكتوا الخشامة وانزلوا في العوازل كي
نعي ذلك التنوع اوهام الاقتتال وخطل فكر دعاة الحرب الاهلية وكذلك الذين يتاجرون بالفكرة من تجار الحروب
مثلما لسنا بحاجة للتذكير بأننا نتعاطي مع هذه الحرب في سياق الحروب بالمنطقة تلك الحروب التي تدار بالوكالة في إطار الصراع علي الموارد والجيوبولتك وأنها ليست بمعزل عن الاستراتيجيات العالمية كذلك نري أنه ليس من الضروري الاشارة الي ان المدرسة التي تعلمنا فيها ابجد هوز السياسة تقع في ناصية اقصي يسار الشارع ومنها تعلمنا أن نغرق بين معارضتنا للسلطة أو النظام ايا كان وبين الدولة ككيان يمثل الوطن
وكيف تربط بين الجزئيات وتبحث في تلك العلاقة والفرق بين التناقضات الاساسية والثانوية.
وختاما
بما أن المناخ السياسي احتفائي فلا بأس من الغناء
زهت ايامي وانا بتغزل
ما بهتم بي قول العزل