إيقاف وإنهاء الحرب – ولكن كيف؟ (7-8)
د. شمس الدين خيال
في الجزء الأول من هذه الورقة تم تسليط الضوء علي ما استخلصته الابحاث العلمية عن السلام والصراع ( Peace and Conflict Research) من سيناريوهات أساسية لإيقاف وانهاء الصراعات المسلحة والاشكاليات العسكرية والسياسية المرتبطة بهدن القتال وبتجميد الحروب كأليات لإيقافها وكتمهيد لأنهائها. وتم في ذلك تقديم بعض الامثلة لمجري بعض الصراعات المسلحة، التي جرت في الماضي والجارية في الحاضر، بما فيهم الصراع المسلح الجاري الآن في السودان بين “الجيشين الرسميين”. ومثلت الثلاثة السناريوهات الاساسية لإيقاف وانهاء الصراعات المسلحة، التي استخلصتها الابحاث العلمية:
1- الدبلوماسية السياسية
2- ضغوطات الانهيار الاقتصادي، أو، والانفجارات الشعبية السياسية العريضة والقوية
3- الانتصار العسكري لإحدى الفريقين المتحاربين على الآخر
والتي تبلورت عبر مجري تاريخ البشرية، محور الجزء الأول. وفي الجزء الثاني تم تسليط الضوء علي طبيعة الجيشين الرسميين المتحاربين – المنظومة الدفاعية والامنية متمثلة في الجيش القومي وعلي جزور وتطور القناعات السياسية والاقتصادية لقياداتها العليا، وقوات الدعم السريع، التي نشأت قبل تكوينها كمؤسسة أمنية لحراسة الحدود، وقبلها كميلشيات قبلية اثنيه تحت مسمى “الجنجويد”، تحت مظلة “جهاز الامن والمخابرات” وتحت ائتمار رئيس الدولة، عمر البشير، كوحدة قتالية لدعم القوات المسلحة في حربها ضد الحركات السياسية المسلحة في دارفور وفي جبال النوبة والنيل الأزرق. وجري هذا التسليط تحت مفهوم ضرورة الفهم لطبيعة الجيشين الرسميين المتحاربين وللداعمين لهم في الداخل، ولأسباب حدوث واستمرار الحرب، كشروط أساسية لنجاح أي عملية دبلوماسية لإيقاف ولأنهاء الحرب الجارية.
في الجزء الثالث تم تسليط الضوء علي الوضع الميداني، وعلي القوة العسكرية العتادية والبشرية والمادية لطرفي الحرب، بعد عام من اندلاعها. في ذلك تم التعرض للعوامل المؤثرة في “نضوج الصراعات” لأنهائها، والمتمثلة: في السيطرة العسكرية في ميدان الحرب، والاستقطاب والاستنفار للمواطنين ودوافعهم وتداعياتهم العسكرية والسياسية والإجتماعية، والوضع العسكري العتادي والبشري للفريقين، والتدمير، الذي طال المنشئات الصناعية العسكرية اثناء القتال وبسبب النهب والتخريب، والعزلة السياسية الخارجية للفريقين، والحظر الاقتصادي الخارجي علي كيانات وأفراد ذات صلة بالحرب. وفي الجزء الخامس تم تسليط الضوء – في ظل التطورات الأخيرة والمتوقعة في الجبهات المختلفة – علي المواقف المختلفة للجيشين الرسميين المتحاربين؛ المرتبكة والمتخبطة والمتذبذبة والمتناقضة لقيادات الجيش والموحدة والثابتة لقيادة قوات الدعم السريع، تجاه الحل الدبلوماسي لإيقاف وأنهاء الحرب. في الجزء السادس، الذي احتوي علي جزئيين، تم بموجب مفهوم ضرورة تواجد شروط لحالة نضوج الحرب لإيقافها وانهاءها، التعرض للتداعيات الانسانية للحرب كعامل مهم – بجانب العوامل الاخرى، التي تم التعرض لها في الاجزاء السابقة -، كمسببات لحدوث انفجارات شعبية سياسية عريضة وقوية، تسهم في إيقاف وإنهاء الحرب. كل هذه الاجزاء من الورقة تم نشرها علي هذا الموقع تحت عنوان: إيقاف وإنهاء الحرب – ولكن كيف؟
في هذا الجزء السابع ، سوف يتم، تحت مفهوم ضرورة تواجد شروط عسكرية عتاديه وبشرية وسياسية واقتصادية، لوصول الحرب الي حالة نضوج تفضي الي إيقافها وانهاءها، التعرض للتداعيات الاقتصادية، كمسببات مهمة لحدوث انفجارات شعبية سياسية عريضة وقوية، تسهم في إيقاف وإنهاء الحرب. ومثل ما تم في الاجزاء السابقة، يعتمد هذا الجزء، ايضاً، علي المؤشرات الاقتصادية والتقارير الصادرة عن المؤسسات القومية، وعن المنظمات العالمية والاقليمية، وعلي الارقام والتقديرات والآراء الصادرة عن المراقبين والخبراء الاقتصادين المتداولة في وسائل الاعلام المحلية والعالمية، وذلك بعد التدقيق -بقدر الامكان- في قربها من الواقع، لرسم صورة عن حجم التداعيات الاقتصادية للحرب، وللتحديات المادية المتوقعة بعد انتهاء الحرب.
التداعيات الاقتصادية للحرب الجارية!
منذ اندلاع الحرب بين الجيشين الرسميين، في 15 أبريل 2023، تعرضت اعداد كبيرة من المنشأة الاقتصادية المهمة في مجال الصناعة وانتاج الطاقة والمواصلات والاتصالات الداخلية والخارجية والقطاع المالي في ولاية الخرطوم الذي يعتبر “المركز الاقتصادي” للدولة السودانية، لدمار شامل أو جزئي. وينطبق هذا الوضع علي ولاية الجزيرة وسنار ودارفور وكردفان، بعد انتقال الحرب اليها. كذلك توقف الانتاج – وبشكل شبه كامل في مناطق القتال – في قطاع البناء والتشييد والتعدين الحكومي الشعبي، وفي القطاع الحرفي، وخرج القطاع التجاري المنظم والهامشي عن الخدمة. وللارتباط الانتاجي والتجاري العالي بين الهامش والمركز الاقتصادي في ولاية الخرطوم، تأثرت كثيرا من القطاعات الاقتصادية المختلفة في ولايات السودان الاخرى بشكل سلبي. بجانب هذه الأوضاع الاقتصادية في مناطق القتال، تعيش “المناطق الآمنة” بسبب الهجرة من مناطق القتال نوعا من الانتعاش الاقتصادي.
ويختلف المراقبين والمؤسسات الوطنية والعالمية حول حجم الخسائر الاقتصادية، التي تسببت فيها الحرب. ويقدر كثيرا من المراقبين حجم الخسائر المادية التي تسببت فيها الحرب في العام الأول بأكثر من 100 مليار دولار. وكشف الأمين العام لدي “الاتحاد العربي لتنمية الصادرات الصناعية” بجامعة الدول العربية عبد المنعم محمد محمود، أن أكثر من 300 منشاة صناعية طالها الدمار بسبب الحرب، وان خسائر القطاع الاقتصادي قد تصل الي 200 مليار دولار. ويقدر “بنك التنمية الأفريقي” في تقريره السنوي، الخسائر التي لحقت بالاقتصاد السوداني خلال العام الأول من الحرب ب 125 مليار دولار.
حسابيا، تعني هذه التقديرات بوصول الخسائر المادية الناشاءه عن الحرب الي أكثر من ضعف أو ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي السنوي للبلاد، الذي يقدر ب 51٫66 مليارات دولار أمريكي، حسب تقرير البنك الدولي لعام 2022. وفي الاقتصاد الحقيقي تعني هذه الارقام: توقف الإنتاج وفقد ملايين المواطنين وظائفهم واماكن اعمالهم وتدهور عالي لقيمة العملة الوطنية مرتبطا بتضخم مالي عالي وغلاء للسلع الاستهلاكية وللخدمات، وفناء لجزء كبير من مخزون راس المال الوطني (National Capital Stock). بجانب الخسائر المادية تسببت الحرب بموجب النزوح والتوقف والانهيار الذي اصاب العملية التعليمية الي تدمير لراس المال البشري. تبعاً لذلك يتمثل الوضع في انهيار كامل للنظام الاقتصادي للدولة.
1. انخفاض حاد لمعدل النمو الاقتصادي ولإيرادات الدولة
بسبب توقف الصناعة والخدمات التجارية والمالية والحرفية، في المركز الاقتصادي للدولة السودانية في ولاية الخرطوم وخروج الأسواق عن دائرة النشاط الاقتصادي في 12 ولاية من أصل 18، اكدت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي تراجع للإيرادات العامة للدولة بنسبة الثلثين. ويرتبط الانخفاض الهائل والمتوقع لإيرادات الدولة خلال العام الجاري -بدرجة- كبيرة بتوقف ضخ النفط الخام المنتج في جنوب السودان عبر شبكة الأنابيب السودانية وتصديره عبر البحر الاحمر، وبتقليل حجم الصادرات من الذهب والمنتجات الحيوانية والزراعية. وحسب الارقام المتداولة في الاعلام المحلي، يفقد توقف أنابيب النفط خزينة الدولة ما يقارب 2.3 مليار دولار في العام. في ذلك المضمار اكد وزير النفط لوكالة سونا للأنباء أن “..اجمالي خسارة قطاع النفط بسبب الحرب وصل الي خمسة مليارات دولار”.
وينطلق مدير المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عبد الله الدردري، من خسارة انتاجية في الاقتصاد السوداني تصل الي 25% من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنة الاولي من الحرب. وكشف وزير التجارة الفاتح عبدالله يوسف عن بلوغ العجز التجاري في الربع الأول لهذا العام حدود 4.8 مليار دولار، وبلغت الصادرات حدود 3.8 مليار دولار والواردات 8.6 مليار دولار. وكان العجز التجاري في عام 2022 قد بلغ 6.7 مليار دولار، ليرتفع في العام الماضي إلى سبعة مليارات دولار، بحسب الأرقام الرسمية. وجاء في تقرير صادر عن “منظمة الأمم المتحدة للزراعة والأغذية (فاو)”،بأن إنتاج القمح ومحاصيل العروة الشتوية قد انخفض بنسبة 20% عن العام الماضي. وتتوقع منظمة الفاو انخفاض لإنتاج الحبوب بنسبة 40%، في حال استمرار الحرب. ويتوقع بعض الخبراء تعدي العجز في ميزانية الدولة حدود ال 20 مليار دولار، في حالة استمرار الحرب الي نهاية العام.
واكد صندوق النقد الدولي بأن “.. الصراع في السودان أدى الي توقف عالي للنشاط الاقتصادي في أجزاء كبيرة من البلاد”. وارجع في تقرير شهر يونيو الماضي تقلص إيرادات الدولة الي الانخفاض الحاد لمعدل النمو في العام الاول، والمتوقع في العام الثاني للحرب. وتوقع صندوق النقد الدولي في وقت سابق من هذا العام انكماش للاقتصاد السوداني بنسبة تصل الي 18.3% في هذا العام، وكان معدل النمو السلبي في عام 2023 قد وصل الي نسبة 18%. ويقدر بنك التنمية الأفريقي في تقريره السنوي الانكماش الاقتصادي بنسبة 37,5%. ويتوقع بنك التنمية الأفريقي تواصل الانكماش خلال العام الحالي بنسبة إضافية قد تبلغ 5,9% في حالة استمرار الحرب. اما Economist Intelligence Unit (EIU)، يتوقع انكماش في هذا العام بمعدل 2,7%، بينما يتوقع صندوق النقد الدولي نمو طفيف بمعدل 0٫3%، مقارنة بالعام الماضي. وذلك، مع العلم أن الاقتصاد السوداني يتوجد منذ عام 2018 في انكماش مستمر.
2. انهيار قيمة العملة الوطنية
بسبب الحرب الجارية تتواجد العملة الوطنية في حالة انهيار مستمر. فقط خلال شهر يوليو في هذا العام وصل الفقد في قيمة الجنيه السوداني الي اكثر من 5 أضعاف، أي بنسبة تفوق 455%. ويقدر بنك التنمية الأفريقي في تقريره السنوي وصول معدل انخفاض قيمة الجنيه السوداني منذ اندلاع الحرب الي 300%. مجملا، وبعد اندلاع الحرب في منتصف أبريل 2023 ارتفع السعر الموازي للعملة الوطنية في السوق الموازي من 560 جنيه الي 2900 جنيه تجاه الدولار الأمريكي في يوليو، والي 2700 جنيه في سبتمبر من هذا العام.
ويقف وراء انهيار العملة الوطنية انهيار النظام الاقتصادي الراجع في الاساس الي التدمير الهائل الذي اصاب كل القطاعات الاقتصادية منذ بداية الحرب، والي العزلة الاقتصادية والمالية التي تعيشها البلاد منذ الانقلاب العسكري في 25 اكتوبر 2022، والي “سياسة التضخم” التي يمارسها نظام الأمر الواقع لتمويل تكاليف الحرب. تحت ضغوطات الازمة المالية للدولة تنتهج سلطة الأمر الواقع سياسية التضخم المالي، المتمثل في طباعة العملة من غير التقيد بالمعاير الاقتصادية المالية، واللجوء الي رفع سعر “الدولار الجمركي” لتعزيز ايرادات الخزينة العامة من الواردات الجمركية. وتمثل هذه السياسة استمرار للسياسة المالية التي كان ينتهجها النظام الساقط خلال حكمه للبلاد لأكثر من ثلاثة عقود، بهدف تمويل الحروب وتمكينه السياسي. كذلك تهدف سلطة الأمر الواقع توفير السيولة لدفع منصرفات أدارة الدولة، واستحقاقات الجنود والمليشيات المتحالفة معها، وسد حاجتها من العملات الأجنبية من السوق الموازي لتمويل متطلبات استمرار الحرب، خصوصا شراء السلاح من الخارج. وفي ظل تواجد الدولة كمشتري اساسي للعملة الأجنبية في السوق الموازي، وتوجه المواطنين لتحويل أموالهم لعملات صعبة – تخوفا من التدهور المستمر للعملة الوطنية وبهدف تمويل اسرهم في مناطق اللجوء في الخارج -، يتزايد الطلب علي العملات الأجنبية، وبذلك يتواصل انهيار العملة الوطنية الي ما نهاية!!
بجانب سياسية التضخم المالي عبر طباعة العملة من غير معايير اقتصادية مالية، والتي تمارسها سلطة الأمر الواقع لتمويل الحرب، تلعب العزلة الشبه كاملة عن النظام المصرفي العالمي وعن مصادر التمويل الخارجي، في ظل افتقاد خزينة الدولة الي احتياطي من العملات الصعبة، دورا ليس بالقليل في انهيار العملة الوطنية. حيث لم يحصل السودان على تدفقات مالية منذ ثلاث سنوات، سوى بعض المساعدات المالية. بجانب ذلك، يأتي لتقلص تحويلات المغتربين التي كانت تتراوح ما بين أربعة إلى ستة مليارات دولار قبل الحرب دورا، دورا مهما في تفاقم النقص الحاد للعملة الصعبة في البلاد.
ورغم تنفيذ البنك المركزي “محافظ تمويلية” مشتركة بموارد من النقد الأجنبي بهدف استيراد سلع معينة، يتوقع الخبراء والمتاجرين في السوق الموازي للعملات الاجنبية تزايد الطلب علي العملات الأجنبية من قبل الدولة والمواطن، وتزايد في فقد الثقة في الجنيه. وترجع محدودية تأثير السياسة المالية للبنك المركزي في سوق العملات الأجنبية من اجل توقيف التدهور في قيمة العملة الوطنية الي فقده لاحتياطي معتبر من العملة الصعبة.
3. انهيار النظام المصرفي
النظام المصرفي القومي، والذي يعاني قبل الحرب من ضعف رأسمالي وتشوهات وهشاشة الهشاشة بسبب سياسية استقلاله كأداة للتمكين السياسي، ومن العزلة عن النظام المصرفي والمالية العالمي طوال فترة سلطة نظام الانقاذ، يعيش الآن شبه انهيار كامل بسبب ما سببته الحرب الجارية من دمار ومن انهيار اقتصادي وما يرتبط به من تفاقم “للديون الهالكة”، ومن عزلة اضافية عن النظام المصرفي العالمي. وبحسب تقرير لبنك السودان المركزي توقف أكثر من 70% من فروع المصارف في مناطق القتال، ويلاقي المواطنين صعوبات كبيرة في الوصول الي مدخراتهم أو القيام بعمليات بنكية عبر حساباتهم الخاصة. واشار الخبير الاقتصادي البروفيسور ابراهيم اونور، إلى حالة افلاس لثلثين من البنوك التجارية، “بسبب العملات المزورة” والي “أن ثلاث ارباع العملات الموجودة بالسوق مزورة”.
4. تدمير المنشئات الصناعية
في مناطق القتال تم في العام الاول للحرب تدمير قرابة 85% من المنشئات الصناعية في قطاع الصناعات المدنية، حسب وزير التجارة لدي سلطة الأمر الواقع . واشار الأمين العام للاتحاد العربي لتنمية الصادرات الصناعية بجامعة الدول العربية إلى تدمير حوالي 550 مصنعاً في الخرطوم بحري وأم درمان. ويقدّر الخبراء عدد المصانع بالبلاد بنحو 6660 مصنعا، تنتج سلعا مختلفة، أبرزها السكر والإسمنت والمواد الغذائية وصهر الحديد وتعدين الذهب، إضافة إلى صناعة الزيوت والتغليف والجلود والبعض من الصناعات الهندسية المدنية والعسكرية وحسب تقديرات المصدر السابق، قد تصل خسائر الأصول الرأسمالية للقطاع الخاص بسبب التدمير والنهب لأليات الانتاج (ماكينات وناقلات ومباني ..الخ) الي 200 مليار دولار.
وفي قطاع الصناعات العسكرية، تعرض “مجمع الشجرة الصناعي” الذي يحوي “مصنع الذخيرة”، و”مجمع جياد للصناعات”، و”مجمع اليرموك العسكري” جنوبي العاصمة الخرطوم، و”مجمع الزرقاء الهندسي” شمالي الخرطوم بحري، للقصف وللنهب أثناء وبعد العمليات القتالية بين الطرفين. تبعاً ذلك وبانقطاع سلسلة الامداد الصناعي المعتمدة علي الاستيراد، فقدت الدولة السودانية امكانيات التزويد بالأسلحة والذخائر وتسليح الطيران والمركبات القتالية المدرعة وأجهزة الاتصالات، والطائرات المسيَّرة، والمواد الدافعة والمتفجرة، وخدمات تأهيل وصيانة الطائرات من داخل البلاد.
وحسب احصائيات متداولة، يسهم القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي السنوي للسودان بنحو 20 في المئة من إجمالي انتاج القطاعات الاقتصادية الأخرى. تبعا لذلك تمثل الخسائر التي طالت القطاع الصناعي فناء لجزء كبير من مخزون راس المال الوطني (National Capital Stock)، الذي يحتوي علي القيم الاقتصادية القومية من مباني واليات انتاج … الخ. ويتوقع في ظل ضعف راس المال الخاص ان يأخذ تعويض ما تم تدميره ونهبه من اصول عشرات السنين.
5. انكماش عالي في حجم الاستيراد والتصدير
في ظل توسع الحرب وعقب سيطرة قوات الدعم السريع علي ولاية الجزيرة وسنار (أكبر ولايتين زراعيتين وسط البلاد) وعلي اجزاء كبيرة من ولايات كردفان ودارفور، تعثر الموسم الزراعي في مناطق انتاج المحاصيل التي يتم تصديرها للخارج (Cash Corps); مثل الصمغ العربي والسمسم والفول السوداني والكركدي..الخ. وحسب تجمع لقيادات مزارعين بمشروع الجزيرة، تقدر “الخسائر الأولية التي لحقت بالبنيات التحتية وتخريب المؤسسات والمحاصيل والمدخرات والتقاوي والأسمدة بالمشروع” بأكثر من 10 مليارات دولار. واكد ايضاً مزارعون في مشروع الجزيرة، إن محصولي القطن والقمح فشل بشكل شبه كامل أو تم الاستيلاء علي الانتاج من قبل الدعم السريع، وتوقعهم “فشل الموسم الصيفي باستثناء مناطق المناقل والقرشي غربي الولاية والتي لا تزال تحت سيطرة الجيش”. وينطبق هذا الوضع علي الانتاج الحيواني في مناطق الرعي الطبيعي، في اقليم كردفان ودارفور. تحت هذه الأوضاع يتوقع Economist Intelligence (EIU) انكماش عالي للصادرات السودانية بمعدل 40 والواردات بمعدل 35% في العام الجاري. في ذلك أقر وزير داخلية سلطة الأمر الواقع، اللواء شرطة خليل باشا سايرين، باحتلال السودان للمرتبة 185 من أصل 190 دولة في قائمة ترتيبات الدول في التجارة عبر الحدود.
رغم هذه التطورات في قطاع الزراعة والانتاج الحيواني، تبدو صناعة استخراج الذهب بموجب التوسع في التنقيب في ولاية الشمالية ونهر النيل والشرق والوسط، بعض الشيء بعيدة عن تأثيرات الحرب. في ذلك تشير إحصائيات منشورة في الاعلام الداخلي، إلى تحقيق نمو في إيرادات صادرات الذهب خلال الربع الأول من العام الحالي. حيث تشير أرقام “الشركة السودانية للموارد المعدنية” الي تصدير أكثر من 7 اطنان، والي بلوغ العائدات بين يناير ومارس الماضيين 428 مليون دولار.
واحتلت دول الخليج قبل الحرب المركز الأول في قائمة الدول المستوردة للمنتجات السودانية والصين للدول الموردة. حيث، ورغم الاتهامات الموجه من سلطة الأمر الواقع لدولة الإمارات في دعمها لقوات الدعم السريع، لا تزال صادرات الذهب السوداني مستمرة إليها. وفي وضع العزلة عن النظام المصرفي والتمويلي العالمي قامت هاتين الدولتين في السنين الماضية، في الاساس بتقديم منح لسد العجز في ميزان المدفوعات.
6. تدمير البنية التحتية
منذ بداية الحرب عمدت قوات الدعم السريع علي السيطرة علي المواقف الاستراتيجية من طرق وكباري وعلي مصادر ومواقع انتاج وتوزيع الطاقة، وعلي منشئات للمواصلات والاتصالات وللأعلام في ولاية الخرطوم، وبعدها في ولاية الجزيرة. تبعاً للوضع الميداني، المتمثل في سيطرة وتمدد قوات الدعم السريع في مناطق واسعة واستراتيجية، وباعتماد الجيش منذ بداية الحرب، في الاساس، علي عمليات القصف الجوي بهدف الحد من تحرك وتمدد قوات الدعم السريع، تم تدمير هائل للبنية التحتية.
1.6. تدمير منشآت انتاج الطاقة
بعد سيطرة قوات الدعم السريع علي مصفاة النفط الواقعة في مدينة الجيلي، التي تقع علي بعد 70 كيلومترا شمال الخرطوم، – وحسب مصادر مختلفة- وتعرضها لقصف بالطيران من جانب الجيش، اصابها تدمير هائل، أن لم يكن بالكامل. وتعتبر مصفاة الجيلي هي الأكبر في السودان، وتنتج نحو 100 ألف برميل\يوميا وتغطي قدرا كبيرا من احتياجات البلاد، ويتم تصدير الفائض منها عبر ميناء بشائر على البحر الأحمر عبر خط أنابيب بطول 1610 كيلومترات. تدمير المصفاة الاساسية في الجيلي، والتخريب الذي طال حقول البترول في غرب البلاد وخط الأنابيب، الذي ينقل الوقود ويمد المصافي السودانية بالبترول الخام، وتعتمد عليه دولة جنوب السودان لتصدير النفط،، فاقم من حدة الازمة الطاقية التي تعاني منها البلاد منذ سبعينيات القرن الماضي.
وبعد توقف محطة قري الحرارية لإنتاج الكهرباء بالخرطوم وخروجها عن الخدمة لوقوعها تحت سيطرة الدعم السريع تزايد النقص في الإمداد الكهربائي علي نطاق واسع. وفقدت مناطق كثيرة في الخرطوم ودارفور وكردفان والجزيرة الإمداد الكهربائي لفترات طويلة وباستمرار، إثر تمدد القتال إليها وتدمير منشأة انتاج وتمديد وتوزيع الكهرباء. حيث تشير حالات قطع الإمداد لفترات طويلة الي تدمير واسع لشبكة إمداد وتوزيع الكهرباء في جبهات القتال المختلفة.
ويلعب تخريب خط الانابيب الذي ينقل نفط جنوب السودان الي ميناء التصدير في بورتسودان دورا مهما في تفاقم الازمة المالية لخزينة الدولة، وبذلك في مقدرة الجيش علي تمويل الحرب. ونتج عن التدمير الهائل الذي طال منشئات انتاج وتوزيع الطاقة ارتفاع هائل لأسعار الوقود، وفي تراجع الانتاج في القطاع الصناعي مثل مصانع الإسمنت، وفي انكماش الانتاج في القطاع الزراعي المعتمدعلى الري بالوقود الحفري.
2.6. تدمير الكباري والطرق
كما تم ذكره آنفا، يلجئ الجيش الي قصف ارتكازات قوات الدعم السريع علي الكباري والمعابر ومفترقات الطرق الرابطة بين المدن والولايات المختلفة لقطع خطوط امدادها، والحد من تحركها وتمددها، مما نتج عنه تدمير هائل لمنشئات الطرق والمعابر في ولاية الخرطوم وفي جبهات القتال المختلفة. حيث تعرض في نوفمبر الماضي كبري شمبات الذي يربط بين مدينتي بحري وام درمان إلى تفجير ادى إلى قطعه، وهو احد الجسور الستة المهمة التي تربط مدن العاصمة السودانية الخرطوم الثلاث. وفي نفس الشهر تم تدمير الجسر الملحق بجسم خزان جبل اولياء. واستهداف الطيران الحربي التابع للقوات المسلحة “كبري مكة” بمدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور. بجانب التدمير الذي تسببت فيه الحرب، فاقمت السيول والامطار علي نطاق واسع من حجم التدمير الذي اصاب الكباري والطرق والسدود المائية، الأمر الذي ينزر بتزايد أزمة قطاع المواصلات، وصعوبات في تنقل المواطنين ونقل البضائع والمنتجات.
3.6 تدمير منشئات نظام الاتصالات السلكية والغير سلكية
منذ بداية الحرب عمد الجيشين الرسميين المتحاربين علي قطع شبكات الاتصالات والانترنت في أجزاء واسعة من البلاد، بهدف قطع سبل الاتصالات عن الخصم وحجب الاحداث واثار الحرب عن الرأي العام الداخلي والخارجي. فمنذ الأشهر الأولى للحرب خرجت ثلاثة مدن إقليم دارفور، نيالا، زالنجى، والجنينة عن تغطية خدمات الاتصالات والانترنت. وفي السابع من فبراير الماضي توقفت الخدمة بشكل كلي عن البلاد. وتحدث يوميا قطوعات مفاجئة لشبكات الاتصالات والإنترنت لساعات طويلة، وفي بعض الاحيان لعدة أيام في جميع انحاء السودان.
4.6. تدمير المنشئات الصحية
حسب التقارير المنشورة، ادت الحرب في مناطق القتال الي تدمير كبير للمستشفيات وللمراكز الصحية، مما اسفر عن خروج 70% منها من الخدمة. في سلسلة التعدي علي المرافق الصحية وتدميرها تسببت الاشتباكات المسلحة المستمرة منذ شهور بولاية شمال دارفور إلى خروج عالي لمستشفى الفاشر الجنوبي عن الخدمة. وكانت “اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان” قد اكدت في بيان لها عن اقتحام مستشفى الفاشر الجنوبي من قبل قوات الدعم السريع. ومؤخرا تم قصف لبعض المنشئات في “مستشفى الديات” بأمدرمان، والذي سبق نهب لأجهزة ومعدات منه من قبل قوات الدعم السريع، حسب التصريحات الرسمية. وتم عبر القارات الجوية الأخيرة للجيش علي مدينة الضعين تدمير المستشفى الرئيسي. وحسب تصريحات اخيرة لوزير الصحة المكلف، هيثم محمد إبراهيم، تصل نسبة المستشفيات التي تعمل في مناطق سيطرة الجيش الي 65% من أصل 540 مستشفى.
5.6. تدمير المطار لدولي
كما هو معلوم، مثل الهجوم والسيطرة علي مطار الخرطوم الدولي من قبل قوات الدعم السريع في الساعات الاولي للحرب اهم هدف استراتيجي لها في هذه الحرب. وكجزء أساسي من المواقع الاستراتيجية والمنشئات ذات الرمزية السياسية الوطنية يدور حوله منذ بداية الحرب قتال مستمر، مما تسبب في تدمير هائل لمعظم وحداته الفنية والخدمية. ويمثل المطار الدولي في الخرطوم “النافذة” الخارجية – الميناء الجوي الدولي الوحيد في السودان، الذي يتم عبره نقل المسافرين والبضائع… الخ.
6. تدمير الوظائف واماكن العمل
بعض التقارير الداخلية والعالمية تشير الي تأثير الحرب علي 25 مليون شخص اقتصاديا. حيث فقد ملايين السودانيين اماكن عملهم في القطاع الخاص المنظم والهامشي وفي القطاع العام. في القطاع الخاص المنظم والقطاع العام تم في العام الاول للحرب تسريح آلاف العاملين. واخذ التسريح عن العمل في القطاعين أشكال مختلفة؛ تشمل الفصل التعسفي والتسريح وإيقاف الخدمة وصرف إجازات مفتوحة بدون رواتب. وبررت أغلب تلك المؤسسات عمليات الفصل بالخسائر المالية وعدم قدرتها على تسيير العمل وتحمل تكلفة رواتب الموظفين والعمال. وحسب التقديرات المتوفرة لم يتم صرف مرتبات لحوالي مليون موظف وعامل في الخدمة العامة منذ أكثر من ١٧ شهرا.
وبعد توسع الحرب إلى ولايتي الجزيرة وسنار وولايات دارفور، توقف الانتاج الزراعي في ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية. تبعا لذلك، فقد الآلاف من المزارعين والعمال الزراعيين أعمالهم. بجانب القطاع الصناعي والزراعي والخدمي الخاص فقد القطاع الحرفي مناطق القتال، خصوصا في ولاية الخرطوم، قدرا كبيرا من اماكن العمل بسبب توقفها عن العمل ونزوح الأيدي العاملة إلى الولايات الآمنة بحثا عن مصادر للدخل.
وحسب تقارير صادرة من صندوق النقد الدولي ارتفع معدل البطالة من 32.14% خلال 2022 إلى 47.2% عام 2024. وتتوقع دراسة قام بها “معهد سياسات الأغذية الأميركي”، فناء 5 ملايين وظيفة بسبب الحرب. إرتباطاً بفقد الدولة للقدر الاعظم من مواردها المالية، ناشد وزير مالية سلطة الأمر الواقع، جبريل إبراهيم، وكالات الأمم المتحدة بدعم قطاعي التعليم والصحة للإبقاء على العاملين داخل البلاد بدلاً من بحث خيارات الهجرة بسبب ظروف الحرب. ووفق تقارير غير رسمية فقدت الدولة نتيجة للحرب 90% من مواردها المالية وعجزت عن دفع اجور ومعاشات العاملين وتقديم الخدمات الضرورية للمواطنين.
7. التضخم المالي وارتفاع الأسعار
في أول تقرير عن ارتفاع الأسعار بعد اندلاع الحرب في 15 أبريل من العام الماضي، اشار الجهاز المركزي للإحصاء الي بلوغ معدل التضخم المالي (نسبة التغيير السنوي في أسعار المواد الاستهلاكية) نسبة 136.67%، خلال النصف الأول من العام الجاري. وكان معدل التضخم قد وصل في شهر مارس 2023 الي 63.31%، حسب تقرير الجهاز المركزي للإحصاء في نفس الشهر والعام. واظهر التقرير الاخير تباين في معدل التضخم بين الولايات المختلفة، حيث سجلت المناطق الحضرية نسبة 134.37%، والمناطق الريفية نسبة 137.37%. وبسبب ارتفاع إيجارات السكن في مناطق النزوح وصل معدل التضخم في الولاية الشمالية الي 721.71% وفي ولاية كسلا الي معدل 273.05%.
وحسب البيانات الاخيرة التي اعلنها الجهاز المركزي للإحصاء في 21 اغسطس الجاري، ارتفع معدل التضخم المالي من 136,67% في النصف الاولي من العام الجاري الي 193,94% في شهر يوليو الماضي. وكشفت البيانات المنشورة عن ارتفاع لمتوسط معدل التضخم في شهر يوليو الماضي من هذا العام الي 181.70% في المناطق الحضرية والي 202.25% في المناطق الريفية. أما تقرير “صندوق النقد الدولي” الصادر في يوليو الماضي، يقدر معدل التضخم بنحو 256.17% للنصف الأول من العام الجاري، مما يعنى ارتفاع للأسعار بنسبة 117.4% عن مستوي ما قبل الحرب.
وتشهد جميع ولايات السودان ارتفاعا هائل في أسعار السلع والخدمات الاساسية بوتيرة يومية. وتشير في ذلك المضمار تقارير وبيانات غير رسمية علي أن “معدل التضخم المالي المحسوس” لدي المستهلك، (perceived inflation) يفوق كل الارقام الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء. وذلك مع العلم أن المرتبات في الخدمة العامة تتراوح في ما بين 40 ألف جنيه إلى 160 ألف جنيه، وان حوالي مليون عامل موظف في الدولة لم يتحصلوا علي رواتبهم منذ أكثر من 17 شهرا.
8. خلاصة
تحت مفهوم ضرورة تواجد شروط لوصول الحرب الي حالة نضوج تفضي الي إيقافها وانهاءها، يهدف هذا الجزء من الورقة الي تسليط الضوء علي التداعيات الاقتصادية للحرب واثرها علي حياة المواطنين كمسببات مهمة لحدوث انفجارات شعبية عريضة وقوية مناهضة للحرب، تسهم في إيقافها وإنهائها.
ورغم قلة وضعف الاحصائيات المتوفرة، يمكن أن اعتبار المؤشرات الاقتصادية المقدرة من بعض المؤسسات الداخلية وخارجية ومن بعض المراقبين للإجابة علي الإسالة التالية:
1- ما مدي ارتفاع التكلفة الاقتصادية للحرب؟
2- وما هي مكونات التكلفة؟
3- ومن الذي يدفع هذه التكلفة؟
4- هل تؤدي التداعيات الاقتصادية للحرب واثارها علي حياة المواطنين الي انفجارات شعبية سياسية عريضة تسهم في إيقاف وإنهاء الحرب.
بخصوص الاجابة علي السؤال الأول والثاني تشير الأرقام المقدمة في الورقة الي خسائر طائلة في القطاع الصناعي والخدمي، مرتبطة بفناء لجزء كبير من مخزون راس المال الوطني (National Capital Stock)، الذي يحتوي علي القيم الاقتصادية القومية، من مباني واليات انتاج وبنية تحتية، وفناء لجزء كبير لأرأس المال البشري (Human Capital) .. الخ. أما إذا اردنا الإجابة علي هذه الإسالة بدقة، يجب القيام بعملية رصد ميداني للدمار الذي طال المنشئات الاقتصادية الحيوية، ولتكلفة الحرب، وحجم الفاقد في الناتج المحلي الاجمالي …الخ. بحيث تتم عملية الرصد تحت ظرف انهاء الحرب وانهاء عدم الاستقرار السياسي، الذي يعاني منه السودان منذ أكثر من نصف قرن. فقط تحت هذه الشروط يمكن القيام برصد واقعي للتكلفة الاقتصادية للحرب، والتنبؤ بالتطورات الاقتصادية في الفترة القادمة، وتحديد الزمن الذي يحتاجه إعادة بناء وتأهيل البنية التحتية والنظام الاقتصادي برمته، بعد انهاء الحرب.
جاءت الاجابة علي السؤال الثالث واضحة. حيث اثبتت التجارب والمعلومات المتوفرة عن الحروب في العالم، بأن الدولة التي علي ارضها يجري القتال، هي التي تتحمل النصيب الاعظم لتكلفة الحرب. وفي خلال أكثر من 500 يوماً للحرب علي ارض ما تبقي من الدولة السودانية، طال الدمار في مناطق القتال المباني وأليات الانتاج من ماكينات ووسائل نقل واتصالات، ودمر جزء كبير ومهم من البنية التحتية، سجل النمو الاقتصادي في العام الاول للحرب معدلات سلبيه عالية، ووصل التضخم المالي ومستوي العطالة والفقر الي معدلات خرافية. في الوقت الذي يتحمل السودان الجزء الاعظم من تكلفة الحرب، تدفع الدول المجاورة والمرتبطة بالاقتصاد السوداني جزء من هذه التكلفة، وذلك عبر ارتفاع معدل التضخم وتدني معدل نموها الاقتصادي.
في الإجابة علي السؤال الرابع، عن مدي وصول التداعيات الاقتصادية للحرب لمستوي يجعل حدوث انفجارات شعبية عريضة مناهضة للحرب تسهم في إيقافها وإنهائها، تجدر الاشارة الي الحملة المناهضة للحرب ومبادرات السلام التي تقوم بها قوي الثورة والتغيير الديموقراطي، المتمثلة في الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات والتجمعات المهنية ولجان المقاومة وبعض الحركات السياسية المسلحة. لكن ورغم ان تكلفة الحرب يدفها في الاساس المواطن، خاصة طبقة الموظفين والعمال الذين تأثروا بتوقف المرتبات لأكثر من 17 شهرا، وفقدوا وظائفهم ويعيشون تحت وطأة التضخم المالي وتسببه في الارتفاع الهائل لأسعار السلع الاستهلاكية وللخدمات الاساسية، لازال الرفض الشعبي للحرب لم يراوح مرحلة الصمت بالقدر الذي يؤثر علي مواقف قادة الجيش تجاه الحل الدبلوماسي للحرب. وقد ترجع أسباب ضعف الحراك الجماهيري المناهض للحرب الي حملات التخوين والاعتقالات والاستهداف الجسدي والملاحقات القانونية للنشاطين السياسيين وللنشطاء في غرف الطوارئ وللمتطوعين في المبادرات الانسانية وللأعضاء في لجان المقاومة بمحليات الولايات المختلفة من قبل الجيشين الرسميين المتحاربين، والي جرائم الحرب والفظائع المرتكبة من قبل قوات الدعم السريع ومن المليشيات المتحالفة معها في مناطق سيطرتها.
لكن، ورغم ذلك، قد يكون صوت المرأة من “قوز هند”، التي وقفت أمام قائد الجيش عبد الفتاح البرهان لدى تفقده المتأثرين بالأمطار في الولاية الشمالية، مطالبه بضرورة إيقاف الحرب، والتظاهرات والاضرابات العامة في مدينة كسلا بسبب اغتيال المواطن الامين محمد نور تحت التعذيب في مقر “جهاز المخابرات العامة”، بذريعة تعاونه مع قوات الدعم السريع، بمثابة “الشعلة الاولي” لفعل شعبي عريض ضد الحرب والمطالبة بإيقافها وانهائها.
في ملحق اضافي، وكجزء أخير من هذه الورقة، سوف يتم تسليط الضوء علي المساعي الدبلوماسية الاممية والاقليمية الجارية، والتي تهدف الي الوصول الي وقف إطلاق النار، والي ترتيبات انسانية وبناء ثقة تفضي الي انهاء الحرب.