‫الرئيسية‬ ثقافة خستكات بائدة
ثقافة - 5 سبتمبر 2024, 19:22

خستكات بائدة

عبدالله محمد عبدالله
في بوست لعماد ببو في الفيس بوك جاء أن غاندي  وصل للكلية متأخرا ذات يوم، و سأل:
– ادوكم شنو في حصة الصولفيج؟
ببو : ادونا الدبل كروش.
غاندي : دبل كروش الجابوهو النقادة؟
اخذتني الطرفة التي تتلاعب بمقطع من أغنية ( العجب حبيبي) بعيداً، إلى أيام الدراسة بقسم الموسيقى، حين حفلت الأجواء بمثل هذه العبارات الذكيه .
في تلك الايام التي أُلحق فيها المعهد بمؤسسات التعليم العالي أرادت الإدارة توسيع المنهج الدراسي، فجاءت بالدكتور جعفر ميرغني الذي أعطانا، ضمن ما أعطى، درساً في فسيولوجيا الجهاز الصوتي مستعيناً برأس خروف ٍ حديث الذبح. و لك أن تتصور ما دار حول الأمر من هرج و مرج. و لم يشأ الدكتور توضيح مصير ذلك الرأس بعد المحاضرة، ثم مضى به بعيداًٍ غير مبال ٍ بحسرة الذين رأوا فيه مشروع ( باسم ) محترم. قال أحدنا ( عمك الليلة لاعب الراس راس) !
كما استقدمت لنا الإدارة استاذاً للأدب العربي شديد الشبه بالفنان عبدالكريم الكابلي، قلنا ربما كان ذلك هو سبب اختياره لتدريسنا. توغل الدكتور بنا في تاريخ الشعر العربي، و تعمّد التوقف طويلا عند الأسود الغندجاني، الذي كان اسمه مثيراً لتعليقات لا حصر لها. قال احدهم: بالمناسبة، الغندجاني الصباح و قال جاييكم بعدين! و صارت كلمة الغندجة احدي مصكوكاتنا اللغوية، فتقول مثلاً لمن تحايل على موقف يقتضي الوضوح : بطّل الغندجة ياخي!
و كان ذلك الدكتور مغرماً بالشاعر المخضرم سُحيْم عبد بني الحسحاس، الذي قتله بنو الحسحاس الذين اشتروه من رجل يُدعى مالكاً، و كان مالك قد اشتراه من عبدالله والد الشاعر المعروف عمرو بن أبي ربيعة. و كانت جناية سُحيم التي قتل بسببها هي التغزل في نساء بني الحسحاس، و هي تهمة لم ينكرها حتى انه قال لهم، و هم يستعدون لقتله و حرق جثته:
إن تقتلوني تقتلوني و قد جرى لفتاتِكم
عَرقٌ على ظهر الفراش و طيبُ !!
و قال الدكتور إن سحيماً هذا كان حبشيا أو نوبياً مما حرف النقاش إلي شئون لم يتوقع محاضرنا ذاك ورودَها في قاعة للتعليم الجامعي.
اما ورطة الدكتور الكبرى مع طلابه (المساخيت) فقد كانت عندما ولج بنا الى الخليل بن احمد و بحور الشعر العربي و عروضه ،حيث توالت عليه التعليقات الساخرة و الإجابات (المخستكة) و لعل الدكتور لم ينتبه إلى أن الذن يصطفون أمامه هم طلاب موسيقى يشكل الإيقاع بالنسبة لهم ( قضية حياة أو موت ) أما الشعر، فا … موضوعه معانا شنو يعني؟
سأل الدكتور وحيد جعفر : ماهي تفعيلة بحر الوافر؟
نظر إليه وحيد في صمت ثم بدأ بطَرْق على الدرج ( مفاعلتن مفاعلتن فعول) فجاءت:
تتك تتتك تتك تتتك تتكتك
وأعادها ثم قال بهدوء : و الله يا دكتور قرايتنا هنا كده بس! فما كان من الدكتور إلا أن خرج ضاحكاً ليشعل غليونه!
و في يوم آخر ، قُرب انتهاء زمن المحاضرة، طلب منا مثالاً شعرياً على وزن مستفعلن مستفعلن.
فناولته مما كان شائعاً بيننا:
يا علي السقيد يا علي السقيد
كل يوم فطوركم فول و زيت
ما مرة غيروا اُكلوا بيض ..
تفحص الدكتور وجوهنا قليلا ثم غادر الغرفة حاملا حقيبته الجلدية .. و كان ذلك – كما يقول عبدالله الطيب- آخر عهدنا به.
قنع من خيرا فينا.

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 5 / 5. Total : 3

كن أول من يقيم هذا المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *