إعادة عجلة الشر للدوران
وجدي كامل
عادت عجلة الزمن السياسي بالسودان إلى الوراء بما لا يقبله عقل أو ضمير صحيح معافيى، أو يجيز نتائج دورانها. فالثابت أن جهاز الأمن والمخابرات الانقاذي قد رجع إلى ارتكاب جرائمه المتوحشة بحق المواطنين المكلومين بمصائب الحرب والطبيعة. نعم عاد كل ذلك ممتطيا ظهر أزمات وانتهاكات تفوق ما سبق من تاريخ.
فإضافة إلى الحرب المستعرة بعلاقاتها الآثمة ونتائجها المدمرة ازدهر حكم الغاب والفساد، والتخلص من الأرواح البريئة المسالمة بمسوغات صيانة سلطة العيب، او ما يطلقونه عليها بحرب الكرامة.
مئات السودانيين والسودانيات ورغم المعاناة من إصابات الحرب من عوز، وجوع، ومرض، وطيران حربي على رؤوسهم ودانات تقصف مساكنهم، باتوا يقبعون في زنازين السجون باكثر من ولاية بتهمة الانتماء للدعم السريع أو التجسس بالتخابر لصالحه باعتبارهم وجوها غريبة.
أيام كالحات أشد تصنعها الدوائر السياسية والعسكرية والأمنية لنظام الاخوان المسلمين عبر جهاز الأمن والمخابرات بفتح باب الشكوى والوشاية بالناس دون جريرة مما يشجع كل صاحب مصلحة تحويلها إلى مظلمة، والزج بالضحية إلى الحراسات، وتلقيه أقسى العقوبات البدنية، ما يصل إلى التصفية بأساليب مباشرة وغير مباشرة. وليست واقعة تصفية الشاب الامين محمد نور بكسلا الاولى من نوعها فقد سبقها العديد من الوقائع المؤلمة، المماثلة في سجل جرائم التعذيب، واهمها تصفية المعلم أحمد الخير بمباني الجهاز بخشم القربة إبان الأيام الأولى للثورة، بما للجريمة البشعة من تفاصيل يقشعر لها البدن ويندي الجبين.فما رشح من أنباء أخيرة يقول بان ما جرى لم يكن أكثر من نتيجة خلاف عادي نشب بين الضحية وشريكه المنتسب لجهاز الأمن والمخابرات في سياق سوء تفاهم حول إدارة مطعم طالب المنتسب الشاكي بجعله عنوة مشتركا بينهما في إحدى قرى كسلا. اغتالت أيادي المنتسبين والمتعاونين للجهاز الفتى ورمته بالمشرحة مكررين ذات المزاعم والصناعة القديمة الكاسدة بموته في ظروف غامضة، طالبين من ذويه الحضور لاستلام جثته، وضاربين بعرض الحائط نتيجة التقرير الطبي للتشريح التي قضت بوقوع تعذيب بدني نوعي تسبب في الوفاة.
إن تجمهر أهالي كسلا وذوي الضحية من قبيلة البني عامر وهتافهم ضد الجهاز أمام مبانيه، وحرقهم لعربة مديره قاد المؤسسة إلى إعادة أعمال الضحك على الذقون بدعوى رفع الحصانة عن القتلة، ما يعد أمرا للناس فيه ذاكرة وتجربة تدركان أن نهايات ذلك لا بد وأن تنتهى باطلاق سراحهم وتبرئتهم لاحقا بأسباب واهية.
أما إطلاق الرصاص على المتظاهرين فقد جاء مناقضا لاية عدالة يمكن أن تنهض. فسلطة الانقاذ (المستحدثة شكلا) ليس في جعبتها جديد إذ أن كل مخزونها من الأساليب القمعية مقتبس وماخوذ من كتابها القديم دون أدنى تعديل قد طرا في ظروف أخرى، حتى ولو كانت حربا يحتم العقل الامني بأن تستدعى استمالة الناس ولو بالخداع، بدلا عن قتلهم واطلاق النار علانية عليهم.
الإنقاذ المستحدثة سلطة منهارة، فاقدة للإدارة العقلية بما تثبته يوما بعد يوم باستسهال حياة البشر واستقرار البلاد، في مناخ من الدموية، والحروب المتسلسلة التي تتيح لها إفشاء الفساد بنهب ما تبقى من موارد لصالح تنظيم شرير وأفراد قتلة تعد مخافة الله عندهم، واحترام المواطنة، وصون حياة الناس أمورا خارج تقديراتها وحساباتها.