
الرابع عشر من أغسطس: فتحٌ جغرافيٌّ جديد لرتْقِ فتوقات خطاب الحرب ورِسوِّ قاربها لحين
صلاح الزين
كما حَتْم الضرورة، دائماً ما تتميز جينات الحرب باتساقٍ في صِدقها وقَمَرِ قوامِها حتى يكون للتاريخ سيرورةً بأرجُلٍ ونعال، فيخطو ويسير.
عبر تاريخ البشرية، منذ ترَجُّلِ آدم من شجرة الفردوس، لسببٍ لا يعلمه إلا الخالق، وحتى توشُّحُ الأرض وتعرُّفُها على لون الدم ورائحته، أقول لم تنفجر حرب بغير شهادة ميلاد وشجرة نَسَبٍ وعذرية وبكَّارة بها تُفاخرُ حروبات أخرى. فالحرب دوماً ليست بِنتَ سفاح إنما بِنت “حلال” بأُمٍ وأَبٍ وشهادة ميلاد وذريةٍ تتكاثر، لا يشك في عِفة نسبها وأصلها إلا من أعماه رَمدُ خطابها وفصاحته.
وما كان لحرب أبريل أن تشذَّ عن هذه القاعدة إذِ الحروب كلها كمِثلِ نسغِ الشجر: يتغاير لون اللحاء والطول والظل والنسغ ذاته كقمرٍ لا يُغيِّر فِضَّتَهُ وإنْ اختلفت الأنواء والليالي.
حربُ أبريل وخِطابُها معنيٌّ بالإجابة على سؤال من أطلق الطلقة الأولى، من بدأ الحرب، من غير أن يكون معنيًّا بسؤال لماذا انفجرت الحرب؟! فهو ينظر للحرب كشجارٍ بين جنرالين أكثر منه بين خطاب واحد برأسَين مما يستدعي استجلاب “حَجَّاز” بعصا غليظة ليفض المشاجرة مع جلوس الفرجة هناك في مقاعدهم في انتظار الرابح والذي هُوَ هُوَ ذات الخطاب الواحد برأسيْهِ (فلول وجنجويد).
لذلك طَفَقَ الخطاب في التنقل بين عدة عواصم ومدن مجاورة وبعيدة بحثاً عن ذاك “الحَجَّاز” بالقدرات القُدُسِيَّة. صحب التنقل في الجغرافيات والأمكنة اجتراحُ عدة هيئات بتسميات متغيرة: قوى الحرية والتغيير (قحت)، المجلس المركزي، الإطاري، (تقدُّم) من غير أن ينفكَّ من مشيمة استمرارية بنية الخطاب السياسي المتقطِّر من تلك الوثيقة الدستورية الخائبة.
صحبت كل هذه التنقلات مواثيقٌ واتفاقات سياسية لم تخرج بها من سلطة ذاك الخطاب الناهض في وجه ما تنادَى به الديسمبريون: حرية، سلام وعدالة، العسكر للثكنات والجنجويد ينحل. فكانت الحرب ضرورةً حتَّمتها استمرارية الخطاب وتأبيدِهِ.
اختار وكلاء خطاب الحرب أن يمكثوا تحت ظِلِ دوحةٍ بفروعٍ إقليمية ودولية. فتجمَّلَ خطابُهُم، خطابُ الحرب، وحوامِلُهُ الطبقية والسياسية والفكرية بزيٍّ محلي وآخر إقليمي ودولي ولا يهم من هو ناسج عباءة الخطاب أو الحائك، فكرة الغزل والخيوط تفوق نباهة الصانع في المسك بأطرافها.
حربُ أبريل، كما الحروب الأخرى، يلزمها استراحة من حربها.
هكذا أخيراً أصاب مركبَ حرب أبريل وخطابَها وهَنٌ أضاع بعض مجاديفه واعتلاه صدأٌ وسأمٌ عادةً ما يصيب الخطاب لعجزٍ بنيويٍّ فيه.
تَرَحَّلَ وجابَ ذاك القارب عدة مدن وعواصم إقليمية يحمل على ظهره نفس العقل مدهوناً بصَبواتٍ وأشواقٍ بذات العطر وقليلٍ من تغاير ربطات العنق ولون الحذاء من غير أن تكون شواطئ رِسوِّهِ ثدياً يُرضَع فيُشبِع ولا مخدةً للقيلولة واطمئنانِ اليقينِ إلى يقينهِ. فكان لا بد مما ليس منه بد: أن يَؤُم مركب الأوديسة المكسور ذاك، حتى يُجبَر كسره، شواطئً ومراسيَ أخرى، طقساً ومدناً وجغرافياتٍ لا صلةَ قرابة لها بما ارتاده من أمكنة سابقة.
وهكذا يتهادى مركب الاوديسة، بمن يحمل، ليُلقي عصا ترحاله عند الحاضرة السويسرية جنيف ذات رابع عشر من أغسطس القادم.
تتغير الأمكنة ومعالم المرسى وتقنيات الرسو والخطاب المحمول ذات الخطاب وإنْ اختلف الشخوص وزَيُهُم.
ويبقى في قعر ذاك المَركِب الأوديسي المشروخ ما يشي باستحالة خروج أحد الرأسين (فلول وجنجويد) من جسد خطاب الحرب الواحد: هذا يستلزم ذاك والآخر يقتضيهِ حتى يتسق الخطاب كبِنْيةٍ قَسَّمتها، مؤقتاً، استراتيجيات الخطاب وانشغاله بالدائم لا العابر في سيرورات الخطاب وتماسُكِهِ، ليكون أكثر تماسكاً وشدةً مما كانَهُ.
هكذا يتهادى مَركِب الخطاب بحمولاته وقضِّها وقضيضها وعَويشِها من جيبوتي الأفريقية نحو سويسرا الأوربية.
التعليقات مغلقة.
ياسلام علي سرد العبارة بالمجاز و الكلمة سليل من عذب وخريرُ نحو مصب الحقيقه و يضاهيه من تلاقي إمتداد الأزرق والأبيض عند حي المقرن
سلِمت يداك يا صديقي