مواقف متناقضة حيال ثورة يناير المصرية في رواية
خالد البري يروي الوقائع في "حنان وسيد ياسمينة" بين تخييل وتأويل
يتماهى الواقع مع الخيال في حبكة رواية “حنان وسيد ياسمينة” (دار العين) للروائي المصري خالد البري التي اعتمد فيها الكاتب على الغموض وترك مساحة كبيرة للتأويل، وهذا التكنيك لا يترك مساحة لتأكيد ما إذا كانت الأحداث واقعية أم أنها خيالية ضمن سيناريو فيلم ما.ويأتي الالتباس بشكل قصدي في الإشارة إلى أن ما جرى في الـ 25 من يناير (كانون الثاني) 2011 في مصر لم يكن عفوياً، بل جرى وفق سيناريو معد مسبقاً بمخرج يدير “الأحداث” ويوجه “الممثلين” من دون أن يراه أحد، وصولاً إلى مشهد النهاية والذي يفاجأ المشاركون فيه أنهم كانوا مجرد عرائس ماريونيت.
يأتي سرد الرواية على لسان سارد عليم يعتمد على ثيمة المقابلة، فيأتي فصل يرصد الأحداث على أنها واقع حقيقي ويقابله فصل آخر يعيد رسم الأحداث نفسها على أنها فيلم يجري تصويره. وفي الفصلين الأول والثالث تتناول الرواية بشكل واقعي عالم “سيد الكهربائي” ابن منطقة إمبابة الشعبية، في مقابل “حنان” التي ربطته الصدفة بها وهي من سكان حي العجوزة الراقي وتعمل في إحدى شركات الاستيراد والتصدير الأجنبية، بينما في الفصلين الثاني والرابع تحيل الرواية إلى أننا أمام ممثلين يقومون بتجسيد هذا الواقع في فيلم لكن بشكل مقلوب، إذ يظهر “سيد” على أنه من طبقة برجوازية، فيما تظهر “حنان” على أنها من طبقة شعبية، لتستمر ثيمة المقابلة أو التوازي عبر سرد يفصل ما يدور في ذهن البطلة بكلمة “إليها”، عما يدور في ذهن البطل بكلمة “إليه”.
تباين طبقي
تُقدم الرواية مقابلة بين أفكار طبقتين اجتماعيتين ونظرة كل منهما المختلفة للأشياء نفسها في فترة استثنائية عمّت خلالها الفوضى فتغيرت كثير من القواعد الراسخة، وعبر هذه المقابلة تظهر تناقضات ومفارقات طوال أحداث الرواية، وتتغير مسميات الفعل الواحد بين الطبقتين مما يترتب عليه اختلاف النظرة لهذا الفعل: “جلستِ على مقاه وسط البلد حيث تعري رجل وامرأة اسمه مكاشفة، وممارسة الجنس اسمها حميمية” (ص:99).
وتتخلل الرواية مقارنة بين طفولة كل من “سيد” و”حنان”، وتبرز التفاوت الطبقي في هذه المرحلة، فقد عاش “سيد” طفولته في فقر مدقع علّمه الاحتيال، فلما كبر زوّر لنفسه هوية شرطي مستغلاً موهبته في الرسم، أما “حنان” فأنجبها والدها وهو في سن كبيرة، فعمل على تهيئة كل سبل الراحة لها حتى وجدت في معاملته هذه الكمال الذي يصعب أن تجده مع أي رجل آخر. زوجة “مبروك” شقيق “سيد” تخونه، ويعلم الجميع ذلك بمن فيهم الزوج المخدوع، لكنهم يغضون الطرف عنه، فيما تنفصل “حنان” عن زوجها عند علمها بأنه خانها مع أخرى.
ويرى “سيد”، طبقاً لثقافته، أن هذا ليس سبباً يستدعي الطلاق، ولا يرى في تعدد علاقات الرجل أمراً يشينه أو تهمة تستحق أن تترك المرأة بسببها زوجها، إذ شغل مسألة الجنس الحيز الأكبر من الرواية في عملية صنع المقارنة بين ثقافة الطبقتين، فهو المحور القائمة عليه فكرة الرواية بالأساس.
حرمان جسدي
في الشقة التي تجمع بين “حنان” و”سيد” تحضر دائماً الرغبة في ممارسة الجنس في ذهن الأخير، لكنه متخوف من رفضها وقبولها في آن، ويستدعي ماضيه الجنسي حين اُتهم زوراً في صباه بأنه شاذ، وما ترتب على ذلك من نظرة المحيط الاجتماعي له لدرجة مناداته باسم “ياسمينة”، كناية عن أنه ليس رجلاً في نظرهم.
هذه الوصمة طاردته طوال حياته ودفعته إلى انتحال صفة أمين شرطة لأنه رأى في الزي الرسمي لرجال الشرطة ما يوازي رجولته المفقودة في نظر من يعرفونه، وفي اللحظة نفسها تحكي “حنان” عن حياتها الجنسية غير المريحة مع زوجها السابق، فحتى بعد الطلاق لم ترغب في ممارسة الحب لأنه يذكرها بهذا الماضي: “لم تقربي جنس رجل منذ طلاقك، إن مجرد اقتراب رجل يستدعي بين فخذيك ألم الزواج”. (ص:99)
الحرمان الجسدي الذي تتصالح معه “حنان” ربما هو واحد من الأسباب التي تدفعها في النهاية إلى الموافقة على الزواج من شخص تعلم أنه عاجز جنسياً، إذ يدفع الكبت الجنسي شباب الطبقة الفقيرة إلى إدمان مشاهدة الأفلام الإباحية وعنها يأخذون ثقافتهم الجنسية، ويتلصص الصبية على ما يفعله الأزواج ويمارسون التحرش في وسائل المواصلات العامة بتواطؤ بين الطرفين، وهذه المسألة لا تغيب عن عالم الطبقة البرجوازية لكن بصورة مختلفة، فهي لا تعاني الكبت ولكن من نقيضه، أي سيولة الاتصال وتمحور فكرهم داخله، وهو ما يرصده “سيد” بأن حديث “حنان” كله يدور حول مواضيع تتعلق بهذا الجانب: “تذكرْ كل ما حكتْ لك، لم تخرجْ عن موضوع واحد، زوجها مع امرأة، هويدا مع رجل، آسر يريدها لنفسه، اللواء يريدها لابنه، حتى ابنها حين اشتاقتْ إليه حولت الموضوع إلى شيء مريب، موضوع واحد يا سيد ليس عندها سواه، موضوع واحد تنام المرأة وتحيا عليه، حتى قطتها طلبت لها قطاً يلاحقها وهي تعلم أنك ستكون موجوداً وتشهد هذا الفيلم الخارج”. (ص: 119-120)