‫الرئيسية‬ ثقافة شعر (نجمة) …نص شعري لبابكر الوسيلة
شعر - 8 يوليو 2024, 11:40

(نجمة) …نص شعري لبابكر الوسيلة

شعر : بابكر الوسيلة

ها أنذا على أبديَّةِ الرُّؤيا
لا جَبَلاً سأصعَدُه كفارسِ رؤيةِ الأشجارِ
عند قَلعةِ قِطعةٍ من لَحميَ الوطنيِّ،
ها إنِّي عزيزٌ بالحُقُوليِّينَ من أنفاسِ محصولي..
أهلي ضِفافيُّون مأهولونَ بالأمواج،
مبتهلون بالأشواقِ،
مأخوذونَ بالأعماقِ بالدُّنيا
ولكنِّي أراكِ صديقتي
يا نجمةَ الشُّعراء.

يا نجمةَ الشُّعراء..
إنِّي لا أشمُّ النَّهر في وطني على بدَني
فدلِّيني على الشُّهداء..
دلِّيني على أرواحِ من قُتِلوا حماماتٍ حماماتٍ
على بوَّابةٍ فُتِحت كأيِّ فضيحةٍ..
ما بيني وبينكِ موكبٌ ودمٌ
ومصيرُ ماء.

يا نجمةَ الشُّعراء..
أأكتب ما يُملي عليَّ النِّيلُ
من هذي الضِّفاف؟!
الموجُ مرَّ كما يمرُّ الظِّلُّ في جسدي
لا غسلَ الجراحَ الدَّائريَّةَ عن قصيدةِ صرختي الأولى،
لا اصطَدتُ لُؤلؤةَ الحقيقةِ،
إنَّما عفواً تعلَّمتُ السِّباحةَ في الجفاف.

وإنًّ كلَّ حديقةٍ كانت على مَعزُوفةِ الرَّاعي
تَرعرَعَ في نسائمها الصَّدى
كلُّ قصيدةٍ كُتبت على جسد القتيلِ
على امتداد النِّيلِ
كانت هُدهُداً متمرِّدا
ونشيدَ هَدهَدةِ الحياةِ على حَياء.

يا نجمةَ الشُّعراء..
إني لا أُحبُّ اللَّيلَ إلَّا بالمَجازِ على حَبَاب الأصدقاء
كلُّ واحدِهِمْ يُغنِّيني بسِرٍّ ما
كلُّ مُعلِّمٍ في الشَّخص
أمنحُهُ العناقَ الحيَّ
كلُّ الحُضنِ للذِّكرى إذا جفَّ الغناء.

يا نجمةَ الشُّعراء..
ما هذا الشَّهيُّ من السَّهَر..
إلَّا بوَشوَشةِ السَّمَر..
بَعُدنا عن رمالٍ كم تَعرَّينا زماناً في فضائحها
وأخطأنا الخطاب..
لا أنتِ لا الذِّكرى ولا نحنُ امْتحَنَّا الحُبَّ بالشَّهواتِ
إلَّا بالوَتَر..
ضَوءٌ على تلِّ الغياب
وضَيْعةٌ رُغمَ الأثَر..
إنَّما هذي دماء.

يا نجمةَ الشُّعراء..
نفْسي لم تُعِرْني لحظةً فانوسَ يأسي
أأعملُ شاعراً لحراسةِ الدُّنيا من الأشرارِ والحشراتِ؟!
هذا محضُ رُوحٍ يا دمي الغجريَّ..
إنَّ كلَّ قصيدةٍ في العمر كانت نبعَ كأسي،
كانت صوتَ أقدارٍ شهيَّاتِ البكاء.

يا نجمةَ الشُّعراء..
إنساني بقلب الأرضِ مفتوحٌ على حقلٍ من الأوجاعِ في وطني..
أتنساني مُعلِّمةُ الحياةِ/ الرَّفضِ
تنسى النَّفْسُ نبضي
في عزيفِ الرِّيحِ!
جوهرةٌ أنا مسؤولةُ الأشعار في هذي السُّهُولِ،
وجوهرُ المعنى مِن الأشياء مِ الأشياء.

يا نجمةَ الشُّعراء..
قُوديني إلى رُؤياي
ما عادت بلادي تكشِفُ الأيَّامَ في حيشانها
تتلو على مولايَ لوحَ شَرافةِ الإنسان
لا أتذكَّر الأسماءَ إلَّا بالتَّردُّد في صداي
ولا أرى جبلاً سواي
أنا ضدِّي وضدِّي قائمٌ ضدِّي
ضميراً ضاوياً ضدَّ الغُثاء.

يا نجمةَ الشُّعراء..
اِهديني إلى ماضيَّ
كنتُ أسيِّرُ الأشواقَ وِفقَ الحبِّ
بين يدَيَّ،
كنتُ أُلاعبُ الأشجارَ كلأطفال بين حديقتينِ
وأنتشي بالنَّهر في هذا السَّرير..
مُويجةٌ في الرُّوحِ
مَوجاتٌ على رَحْب الفضاء.

اِهديني إلى الآنيِّ من نُورٍ
على نفَقِ البدائيِّينَ
تحت السُّور في هذا العراء.

خُذيني إلى ما يَفتحُ الآتي على الآتي!
ضللتُ السَّيرَ في الوادي، على الغاباتِ تهتُ
وشلَّتْ خطوتي ناريَّةُ الصَّحراء.

يا نجمةَ الشُّعراء
أريدُ قصيدتي تمشي على ساقَينِ
بين النَّاس
مثلَ الموكبِ العاري
تجمَّعَ من رُمُوز الصَّحوِ،
من أركان ذكرى الحُبِّ في صَخَب البُيُوت،
من الحنان الما ورائيِّ الحبيب،
منَ الأشجارِ تُطلِقُ غابةً للرِّيح،
من نهرٍ على عَصريَّةِ العشَّاقِ عند الملتقى،
من حُرقة المصباحِ
أطفأ ليلَهُ وأنارَ مِدفأةَ القصائدِ في دمِ
الأغلى على الشُّهداء.

يا نجمةَ الشُّعراء..
ها أنذا وحيدٌ غارِقٌ في مستنقعاتِ اسْمي
كأنِّي في عِدادِ الميِّتينَ منَ العَدُو..
قتلتُ نفسيَ كي أكونَ أنا الشَّهيدُ
على عناقِ الأنقياء.

حرَقَ النَّجاسيُّون أيَّامي من الذِّكرى
وحرقتُ منِّي جُثَّةَ الزَّمنِ الوضيع،
بكيتُ كنتُ بكيتُ إذ
أطلقتُ للعدمِ السَّماء.

يا نجمةَ الشُّعراء..
إنَّ دمي بعيدٌ..

أخبرتني نجمةٌ أخرى بأنَّ اللَّيلَ
بات اللَّيلَ، كلَّ اللَّيلِ، يَرثي الذِّكرياتِ بشمعةٍ..

أخبرتني الرِّيحُ
أنَّ الأبيضَ العاتي تعثَّر إثرَ حادثةٍ،
ولم يُقابل زُرقةَ الأمواجِ في هذا المساء.

يا نجمةَ الشُّعراء..
في المنفى
لمعتْ في يدِي كأسُ الخراب..
ولم يتسنَّ للَّيلِ أن ينجلي..
ساهرتُ حُزناً بحُزنٍ على نبضِ هذا التُّراب.
وكنتُ أُغنِّي كما شاء ليَ الجُرحُ أن لا أغنِّي..
كأنِّيَ غُنَّةُ هذا الغياب
ومنبعُ أغنيةِ الاشتهاء.

يا نجمةَ الشُّعراء..
ليلي فارسٌ من ضمنِ أبطالِ الطَّبيعةِ،
يمتطي أمَلاً حِصاناً
بالمَعاركِ كلِّها خاض الزَّمانَ بسيفهِ..
لا نصرَ في صَهواته،
لا مَرَّةً ذاق الهزيمةَ مُرَّةً
والعُمْرُ رايةُ كبرياء.

يا نجمةَ الشُّعراء..
ما لي في بلادي مَوطءٌ إلَّا لحُزْني
لكنِّي أمام الله أجني الصَّبر وردةَ عاشقين..
مُلتزمٌ بشطِّ النِّيلِ في جسدي
ومدَّرِعاً حياتي مثلَ جُنديٍّ يقومُ
على الدِّفاع عنِ اليقين.

قَدَري على كَرَري..
أَكونُ هنا كطينٍ لازِمٍ مُتلازِمٍ للنَّهر والمرعى،
متى عصفورةُ المعزوفةِ الكبرى تغنَّت فوق بيتي،
متى هذا الوُجُودُ أجادَ موسيقى
إضاءةِ لوحةِ
المعنى،
متى الذِّكرى مع الذِّكرى كجوقةِ راقصين..

أنا المُغنِّي..

إذا بالنِّيل يُلقي قمراً على ليلِ الضِّفافيِّين
في المجرى
إنِ السَّودانُ شاء.

يا نجمةَ الشُّعراء.

*الصورة البارزة للمقال : فان غوخ ليلة مرصعة بالنجوم

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 5 / 5. Total : 1

كن أول من يقيم هذا المقال