قراءة في كتاب : أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية : التنمية حريّة – محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن (مقاربة) ، (2 – 15)
بدر موسي
البروفيسور علي عبد القادر : “هذا كتاب مذهل”
وطلب البروفيسور علي عبد القادر ، قائلاً : “أرى أن ينشر هذا الكتاب في السودان ، حتى يستفيد منه الناس وحتى يستفيد منه الشباب والحاكمين، وآمل أن تقام حوله حوارات ونقاش”.
قدم الكتاب مقارنة بين أفكار الأستاذ محمود محمد طه وآرائه تجاه التنمية مع أفكار المتخصصين وآرائهم ، فمثَّل نموذجاً فريداً لهذه المقارنة ، التي أبرزت و”تبرز امتياز الإسلام على كل فلسفة اجتماعية معاصرة ، وعلى كل دين ، بصورة تقنع العقول الذكيَّة”. قارن الكتاب بين أطروحة : التنمية حرية ، التي قدمها عالم الاقتصاد والفيلسوف الهندي أمارتيا كومار سن ، الحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 1998م ، وأستاذ الاقتصاد والفلسفة ، حالياً ، بجامعة هارفارد ، والتي جاءت ضمن كتاب له نُشر عام 1999م ، وبيَّن طرح الأستاذ محمود محمد طه ورؤيته تجاه التنمية والتي كانت سابقة ، وقد قدمها منذ خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي ، ومثلَّت محوراً أساسياً في مشروعه الفكري : الفهم الجديد للإسلام/ الفكرة الجمهوري/ الفكرة الجمهورية ، وجاءت في العديد من كتبه ومقالاته وأحاديثه ، كما قام بتفصيل كل ذلك الدكتور عبد الله في كتابه المتميز والعجيب والمدهش.
وتزداد قيمة مقاربة الدكتور عبد الله الفكي البشير ، في أنها أظهرت المرجعية الفكرية لرؤية الأستاذ محمود محمد طه تجاه التنمية ، وهي القرآن في مستوى آيات الأصول (الآيات المكية). قدم الأستاذ محمود من خلال الفهم الجديد للإسلام ، وجهاً مشرقاً للإسلام ، في الوقت الذي يواجه فيه الإسلام والمسلمين التهم بالعجز والقصور والتخلف والتطرف ومحاربة التقدم والفهم باسم الله. وهذه التهم تجد سندها وتعزيزها في أخذ الإسلام عن جهل ، يقول الأستاذ محمود : “إن الإسلامَ سلاحٌ ذو حدين.. إذا أُخذ عن علمٍ ومعرفة رفع الناس إلى أوج الرفعة والإنسانية والرقي ، وإذا أُخذ عن جهلٍ ، ارتد بالناس إلى صورٍ من التخلفِ البشع ، الذي يحارب باسم الله كل مظهرٍ من مظاهر التقدم والفهم”. ولقد أوضح عبد الله في كتابه أن رؤية الأستاذ محمود تجاه التنمية تنطلق من دعوته لإرجاع الحياة إلى الله ، وأن منشأ العلوم في حاجة ماسة وضرورية للمزج بين العلم التجريبي المادي مع العلم التجريبي الروحي ، نسبة لوحدة الوجود ، وأن تعريف التعليم هو تمليك الحي للقدرة ، أي القدرة على تكيف الإنسان مع البيئة ، وأن عناصر البيئة هي المعلم المباشر ، بينما المعلم الأصلي هو الله ، وأن الحرية هي العبودية لله ، وأن سبب أزمة الأخلاق في العالم يتصل بالتخلف بين تقدم العلم التجريبي ، وتخلف الأخلاق البشرية ، وقد فصل عبدالله في كتابه كل ذلك تفصيلاً دقيقاً ومسدداً ، فقد كتب عبد الله ، قائلاً : “أرجع طه أزمة الأخلاق ،
التي أدت الى الاضطرابات التي يشهدها عالم اليوم ، إلى سبب أساسي، وهو مدى التخلف بين تقدم العلم التجريبي ، وتخلف الأخلاق البشرية”. وأضاف عبدالله ، قائلاً : يرى الأستاذ محمود بإن العلم التجريبي الحديث رد مظاهر المادة المختلفة ، التي تزخر بها العوالم جميعها ، إلى أصل واحد ، وأن البيئة التي يعيش فيها الإنسان هي بيئة روحية ذات مظهر مادي. هذا الاكتشاف الجديد ، كما يرى الأستاذ محمود ، يواجه الإنسان المعاصر بتحد حاسم ، فالعلم المادي التجريبي ، والعلم الروحي التجريبي ، التوحيدي ، اتحدا اليوم في الدلالة على وحدة الوجود. ولهذا ، كما يقول عبدالله مستشهداً بقول الأستاذ محمود : فإنه على الإنسان “أن يوائم بين حياته وبين بيئته هذه القديمة الجديدة ، وبهذه المواءمة والتناسق يكون الرجوع إلى الله بعقولنا ، بل وبكل كياننا ، حتى نحقق العبودية لله”.
عرض عبدالله كتابه على البروفيسور علي عبد القادر (1944م – 2022م) ، أستاذ اقتصاديات التنمية ، والخبير السوداني المعروف ، الذي عمل قائداً لبعض المؤسسات وفرق العمل التنموية، إقليمياً وعالمياً ، وذلك باقتراح من البروفيسور عصام البوشي. أطلع البروفيسور علي عبد القادر على الكتاب ، وناقش كل فصوله ومحاوره مع عبدالله ، فعبَّر عن اعجابه بالكتاب ، وبما جاء فيه من مقارنة علمية ، وبما اشتمل عليه من رؤية للأستاذ محمود تجاه التنمية. ثم وصف الكتاب، قائلاً : “هذا كتاب مذهل”. تبع ذلك أن حكى البروفيسور علي عبد القادر لعبدالله ، قائلاً : “لقد تحدثت مع بعض الأصدقاء عن الكتاب ، الذي تضمن رؤية محمود محمد طه تجاه التنمية ، فعبَّر أحدهم عن دهشته عن معرفة محمود محمد طه بالتنمية ، فرددت عليه ، قائلاً : إذا كان كل دارس يمكن أن يعرف تنمية ، هل من المعقول أن يكون محمود محمد طه لا يعرف تنمية”. وأضاف البروفسور علي عبد القادر ، قائلاً : “محمود محمد طه يعرف بدقة وعمق وشمول ، بينما نحن الذين لا نعرف”. كذلك كان البروفيسور علي عبد القادر حريصاً على أن ينشر الكتاب داخل السودان ، وليس خارجه ، حيث تحدث إلى عبد الله ، قائلاً : “أرى أن ينشر هذا الكتاب في السودان ، حتى يستفيد منه الناس وحتى يستفيد منه الشباب والحاكمين ، وآمل أن تقام حوله حوارات ونقاش”. واستجاب عبدالله من جانبه، لطلب البروفيسور علي عبدالقادر ، على الرغم من المعروض المقدمة لنشر الكتاب خارج السودان”.
كلما زاد العبد في التخضع لله كلما زادت حريته .
يقول عبدالله إن العبودية لله ، كما هي عند الأستاذ محمود ، “هي غاية الحرية وكلما زاد العبد في التخضع لله ، كلما زادت حريته”. وذكر عبد الله بأن الأستاذ محمود يقول: “بالعلم التجريبي لا نستطيع الرجوع إلى الله ، وإنما أسرع الطرق للرجوع لله يكون عن طريق الفكر ، النابت في البيئة الروحية”. وأضاف عبد الله بأن الفكر ، كما يرى الأستاذ محمود ، “أسرع من الضوء ، وبالطبع أسرع من الآلة التي ينجزها العلم التجريبي”. ولهذا ، كما أورد عبد الله ، يقول الأستاذ محمود : “إن قواعد الأخلاق البشرية إذا لم ترتفع إلى هذا المستوى فترد جميعها إلى أصل واحد ، الأصل الروحي ، كما ردت ظواهر الكون المادي إلى أصل واحد ، فإن التـواؤم بين البيئـة ، وبيـن الحيـاة البشرية ، سيظـل ناقصاً ، وسيبـقى الاضطراب الذي يعيشه عالم اليوم مهدداً الحياة الإنسانية على هذا الكوكب بالعجز ، والقصور ، في أول الأمر ، ثم بالفناء والدثور ، في آخر الأمر”.
نواصل في الحلقة القادمة.
*تأليف عبد الله الفكي البشير- الناشر ط1: مركز أسبلتا للاستنارة والنشر، أيوا، الولايات المتحدة ، الموزع: دار الأجنحة للنشر والتوزيع ، الخرطوم.. ناشر الطبعة الثانية: دار بدوي للنشر، كونستانس ، ألمانيا ، 2022م
*بدر موسي
- ماجستير برامج دعم التنمية في دول العالم الثالث (2000م) ، جامعة أيوا ، الولايات المتحدة .
- يدرس حالياً في ماجستير التدريس والتعليم ، جامعة أيوا ، الولايات المتحدة .