الحرب في السودان.. صراع منسي وصمت لا يُغتفر!
مداميك: وكالات
حذرت الأمم المتحدة من أن السودان سيواجه “قريبا” أكبر أزمة جوع في العالم، فيما تنتقد منظمات دولية ما تعتبره “صمتا” دوليا إزاء الوضع في السودان ما ينذر بانزلاق الأمور في البلد الممزق بالحرب إلى الأسوأ.
يقول خبراء إن قائمة الفظائع التي مازالت تُرتكب في السودان طويلة وتتسع بمرور الوقت، مستشهدين في ذلك بسلسلة من الأحداث المأساوية أبرزها قصف مستشفى للولادة في مدينة الفاشر – عاصمة شمال دارفور – ما أدى إلى خروجها عن الخدمة وقصف مخيمات تؤوي نازحين وارتكاب إعدامات جماعية.
وفي السياق ذاته، نددت منظمات حقوقية بمنع دخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة وارتكاب جرائم جنسية بشكل منهجي وجرائم حرب أخرى، مشيرة إلى أن 16 الف شخص قتلوا خلال عام من بدء الحرب الأهلية في السودان. وتسبب الصراع في السودان في أسوأ أزمة نزوح داخلي في العالم إذ تشرد قرابة عشرة ملايين شخص عن ديارهم بحثا عن الأمان مع اتساع وتيرة القتال وتزايد ضراوتها.
وقبل أيام، حذرت المنظمة الدولية للهجرة من أن 70 بالمئة من الأشخاص الذين أًُجبروا على النزوح في السودان، يحاولون البقاء على قيد الحياة في أماكن معرضة لخطر المجاعة. وقالت المنظمة إن وصول المساعدات الإنسانية “غير مكتمل أو غير موجود”.
يأتي ذلك رغم دعوة مجلس الأمن الدولي قبل أيام إلى وقف محدود لإطلاق النار فيما تدق منظمات إنسانية وأغاثية من أن الوضع يتفاقم بمرور الوقت.
حرب من أجل المصالح الخاصة؟
ومنذ منتصف أبريل/ نيسان العام الماضي، مازال القتال مستمرا بين قوات الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بزعامة محمد حمدان دقلو المعروف بـ “حميدتي” على وقع الخلاف حول تقاسم السلطة في أعقاب انقلاب عام 2021.
ويقدر امتلاك الجيش السوداني بحوالي 200 ألف عنصر، فيما يقدر عدد قوات الدعم السريع بما بين 70 ألف إلى 100 ألف فرد، لكنها على النقيض من الجيش تعمل على غرار جماعات حرب عصابات. وفيما يتعلق بالعتاد العسكري، يمتلك الجيش السوداني الكثير من المعدات العسكرية مثل الدبابات والمروحيات وقوات جوية، لكنه غير بارع في القتال مقارنة بقوات الدعم السريع.
وحققت قوات الدعم السريع في الآونة الأخيرة مكاسب غرب دارفور خاصة سيطرتها على مدينة مليط، شمالي مدينة الفاشر، ذات الأهمية الاستراتيجية بما عزز من حصارها لعاصمة شمال دارفور التي باتت تؤوي أكثر من 1.5 مليون نازح.
وفي السياق ذاته، قال الناطق الرسمي باسم منسقية النازحين واللاجئين بالسودان، آدم رجال، في مقابلة مع إذاعة “صوت أمريكا” الأسبوع الماضي إن الأطراف المتحاربة “لا تمتلك روح الوطنية. إنهم يقاتلون فقط من أجل مصالحهم الخاصة فيما بات المجتمع السوداني الخاسر الوحيد إذ فقد الناس كل شيء. الكلمات تعجز عن وصف خطورة الأزمة”.
صمت دولي “لا يُغتفر”
ورغم تفاقم الصراع في السودان، إلا أن العديد من المنظمات الدولية تقول إن ثمة تجاهل وصمت دوليين إزاء الوضع في البلاد. فمع مرور عام على الصراع، تعهد المجتمعون في مؤتمر باريس حول السودان في أبريل/ نيسان من العام الماضي بتقديم 2.1 مليار دولار (1.95 مليار يورو) كمساعدات إنسانية إضافية للسودان. ومع ذلك، قالت الأمم المتحدة في منتصف الشهر المنصرم إنها لم تتلق إلا 12 بالمئة من تمويل بقيمة 2.7 مليار دولار، طلبته لمساعدة السودان.
وفي مقابلة مع مجلة “فورين بوليسي” أواخر الشهر الماضي، قال آلان بوسويل، الخبير في مجموعة الأزمات الدولية: “ليس أمامك سوى مشاهدة مستوى التركيز المنصب على أزمات مثل غزة وأوكرانيا وتتساءل عما يمكن أن يسفر عنه 5 بالمائة فقط من التركيز الدولي على السودان، وكم كان من الممكن إنقاذ عشرات الآلاف من الأرواح”.
وقبل ذلك، انتقدت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد في مقال افتتاحي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” ما اعتبرته “صمتا لا يُغتفر” حيال الوضع في السودان.
وقالت الدبلوماسية الأمريكية إن الحرب الأهلية “حولت السودان إلى جحيم لا يُطاق”، مضيفة أنه رغم تصنيف منظمات الإغاثة الأزمة الإنسانية في السودان على أنها واحدة من بين أسوأ الأزمات في العالم، إلإ أن القليل من الاهتمام أو الدعم يُبذل لمساعدة للشعب السوداني”.
أسباب عدم الاهتمام الدولي بالوضع في السودان؟
من جانبها، كتبت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للاتصالات العالمية، ميليسا فليمنج، مقال رأي سلطت فيه الضوء على الأسباب وراء عدم الاهتمام الدولي بالوضع في السودان. وقالت إن العالم يعيش حالة تشبه “بالخدر النفسي” في مصطلح يشير إلى حقيقة مفادها أن الشعوب تشعر بمستوى كبير من اللامبالاة تجاه أي مأساة مع تزايد عدد ضحاياها.
وأضافت أن تزامن وقوع أزمات عديدة في الوقت ذاته في نوع من التخدير، مشيرة في ذلك إلى أزمة تغير المناخ والصراع في غزة والحرب الروسية في أوكرانيا.
وفيما يتعلق بالوضع في السودان، فقد كشفت بعض الأبحاث عن أن الحروب الأهلية خاصة تلك التي يُنظر إليها باعتبارها شأنا داخليا، تحظى باهتمام أقل من الصراعات الإقليمية.
وأقر رومان ديكيرت، الخبير المستقل المقيم في جنيف، بأن قضية عدم الاهتمام الدولي بالوضع السوداني “تشغله” منذ أن بدء انخراطه في الشأن السوداني عام 1997.
وفي مقابلة مع DW، قال إن الأمر يرتبط في بعض الجوانب “بمدى تعقيد الوضع في السودان حيث من غير الواضح ما إذا كان أيا من الطرفين طيبا أم شريرا. يرتبط الأمر أيضا بفكرة راسخة أو فكرة دفينة في اللاوعي أو ربما عنصرية أو نزعة مركزية أوروبية حيث ينظر الغرباء بشكل غير صحيح إلى أن القتال – بطريقة أو بأخرى – أمر غير حضاري”.
وأضاف ديكيرت، الباحث في منظمة “الإعلام في التعاون والانتقال” ومقرها برلين، أنه مع بدء تخصصه في مراقبة الشأن السوداني، كان الاهتمام الدولي منصبا على الحرب في يوغوسلافيا السابقة أكثر من المجاعة التي بدأت في الظهور بإقليم دارفور في ذاك الوقت.
وقال ديكيرت: “أتذكر في تلك الفترة حديث صحافية (ألمانية) عن هذا الأمر في أحد المؤتمرات حيث قالت إن المشهد في يوغوسلافيا يشبه مناطق أوروبا الوسطى فالناس يشبهوننا والمنازل تشبه منازلنا. لذلك يمكن نقل القصة إلى الناس بشكل أكثر سهولة.. الأمر يشبه إلى حد كبير الأزمة الحالية في أوكرانيا”.
ضرورة إيلاء المزيد من الاهتمام الدولي
وأشار ديكيرت إلى عامل آخر يتمثل في انخراط أطراف إقليمية في الصراع بالسودان فيما تعتبر الدول الغربية هذه الأطراف ذات أهمية استراتيجية أو تجارية. يُشار إلى أن السعودية ومصر تدعمان الجيش السوداني فيما تصطف الإمارات إلى جانب قوات الدعم السريع ما يمثل “حقيقة غير مريحة” لحلفاء هذه الدول في العالم الغربي، بحسب وصف ديكيرت.
ورغم ذلك، شدد الباحث على أن إيلاء المزيد من الاهتمام الدولي للوضع في السودان سوف يصب في صالح الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إنهاء الأزمة الراهنة أو مساعدة العاملين في المجال الإنساني الذين يواجهون تحديات جسام في العمل داخل السودان.
وقد كشفت دارسة أجريت عام 2021 عن أنه رغم أن القرارات السنوية المتعلقة بتمويل المساعدات الإنسانية يتم اتخاذها في وقت مبكر، إلا أن التركيز الإعلامي المفاجئ على مستوى دول العالم يمكن أن يساهم في زيادة المساعدات الإنسانية الطارئة المخصصة للأزمات الدولية.
DW \ كاثرين شير