ديفيد هيوم
‫الرئيسية‬ مقالات الطريق لبناء الجبهة المدنية الديمقراطية ، طريق شائك لكنه ممكن ، إن إتسع ألأُفق !!!
مقالات - 8 يونيو 2024, 9:29

الطريق لبناء الجبهة المدنية الديمقراطية ، طريق شائك لكنه ممكن ، إن إتسع ألأُفق !!!

يوسف مصطفي
(-) ينظر كثيرون الى تعثر بناء جبهة مدنية ديمقراطية تضم كل الفصائل والمكونات الداعمة لثورة ديسمبر والرافضة للحرب بكثير من السخط والاستياء لدرجة وصف القوى الديمقراطية بالمراهقة السياسية، و علو (الانا) والذاتية المحضة و ربما عدم ادراك خطورة الوضع الراهن ، وهم مُحِقون فى إستيائهم وسخطهم لان الواقع افدح من ان يُحتَمل ولان المستقبل ينفتح على ما هو افدح ، إذ تلوح فى الافق كل ملامح السيناريوهات المرعبة كتفكك السودان الى دويلات ، او الارتداد الى شمولية قابضة ، او الوقوع فى براثن إقتسام النفوذ بين المحاور الدولية و وكلائها الاقليميين وربما خليط من كل ذلك ، إلا ان الاستياء والسخط وقبلهما الامانى العذبة والاحلام الندية يجب الا تستهين بالعقبات الحقيقية التى تقف حجر عثرة امام هذه الوحدة والا تتجاهل ضرورة مواجهتها بعقل وقلب مفتوحين . فالمؤكد ان كل القوى المدنية الديمقراطية ذات مصلحة مادية فى بناء تلك الجبهة كجسر لسودان حر ديمقراطى وكلها بلا شك تحلم ببناء سودان ناهض وموحد وذو سيادة غير مسلوب الارادة ، لكن المؤكد ايضاً أن لكل كتلة او فصيل من فصائل تلك الجبهة المأمولة مقياسه الخاص وشروطه المختلفة لتلك الوحدة ، ولما هو مرجو منها !!!
(-) تتعدد العقبات التى تقف فى طريق وحدة القوى المدنية الديمقراطية فمنها ما هو سطحى وماهو عميق ؛ ماهو خاص وماهو عام ؛ ما هو شكلى وما هو جوهرى … ما هو ذاتى وما هو موضوعى ، لن تدعى هذه المساهمة – المتواضعة – احاطة بكل هذه العقبات بما أن كاتبها بعيد عن دوائر صناعة القرار فى أىٍ من اطرافها ، كما لا تستطيع ان تغوص فى تفاصيل هذه العقبات وتشريحها لضيق حيزها، لكنها ستحاول إلقاء بعض الاضواء عليها بغرض تفكيك تعقيداتها وتقريب وجهات النظر المختلفة من خلال تعظيم المشتركات وتجاوز نقاط الخلاف غير الجوهرية .
(-) الإعتراف بل الإيمان بضرورة بناء الجبهة الموحدة يقتضى تجاوز كثير من الاشكالات الاجرائية مثل رفض الحزب الشيوعى الجلوس مع (تقدم) ومن قبلها (قحت) ككتلة واحدة ، كما يتطلب الامر ايضا من (تقدم) مجانبة إستبطان شرعية سابقة آوان محاورتها الاخرين ؛ فلا الحزب محق فى فرض شكل من يحاورونه ولا التحالف محق فى استبطان شرعية لم تعُد قائمة … وفى ذات الاطار يتوجب على الاطراف التى تطالب بتمييز كمى ونوعى فى هياكل الجبهة – كحزب الامة – استناداً على وزن انتخابى مر عليه قرابة الاربعة عقود ان تعى المتغيرات التى افرزها حراك ديسمبر وأن تتواضع مع الاخرين على صيغة بلا تمييز خلال هذه الفترة التى يجب أن يحكمها التوافق على القضايا وآلية صنع واتخاذ القرار ، إنفتاح الاطراف كافة على بعضها البعض وتوافقها على القضايا واليات صنع واتخاذ القرار ، ربما يجنب الجبهة كثير من امراض التحالفات السابقة مثل التكتلات الجانبية والتكتيكات والتكتيكات المضادة ، فضلاً عن حبك المؤامرات الصغيرة والتى دائما ما تكتب نهاية مبكرة لاى صيغة تحالفية قبل ان تبلغ غاياتها .
(-) لن يتم بناء هذه الجبهة – دعك عن استمرارها – مالم تتوافق اطرافها على تعريف ماهية هذه الحرب ، فالملاحظ ان كل طرف ينظر اليها من زاوية واحدة ويغفل بقية الزوايا ، لذلك تعددت تعريفاتها مثل انها حرب الفلول … حرب الجنرالين … حرب الاستتباع ونهب الموارد وغيرها من تعريفات ، رغم تعدد هذه التعريفات الا انها جميعا تنتهى لخلاصة واحدة وهى وأد احلام ومشروع ثورة ديسمبر الهادف لتفكيك بنية الحزب الواحد ، وترسيخ جذور الدولة المدنية ، وتحصين الارادة والسيادة الوطنية ، بهذا الفهم يصبح تعدد التعريفات عامل إثراء وليس إختلاف إذا ما اتفق الجميع على صحة الخلاصة النهائية .
(-) تظل قضية آلية انهاء الحرب من القضايا الشائكة والتى تشكل عقبة حقيقية مما يستوجب مزيد من الحوار والمصارحة ، فبينما يعول طرف (تقدم) على تأثير دور المجتمع الدولى ، يرى الطرف الآخر – الجذريون – فى هذا التعويل مدعاة إرتهان للخارج و وكلائه المحليين وأن لا طريق غير فعل الجماهير على الارض ، لا شك ان القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة فى إنهاء الحرب واستعادة مسار ثورتها هى العامل الحاسم والاساسى فى عملية التغيير ، ولكن يظل دور المجتمع الدولى المساند لفعل الجماهير مطلوب وضرورى فى ظل تعقيدات الواقع الماثل المفضى لانحسار مساحات حركة الجماهير ، كما أن الوعي بتحديات الموقع الجيوسياسى للسودان حيث الاطماع والتنافس الاقليمى والدولى يرجح معقولية المزاوجة بين العاملين ، عليه لا ارى تناقضاً جوهرياً فى صواب هذه المزاوجة بين الآليتين مع تعظيم الدور الداخلى باعتباره العامل الاهم والحاسم – فما حك ظهرك مثل ظفرك – الامر الذى يفرض على الاطراف جميعها الانصات لنبض الجماهير وحشد قواها الصانعة للمستحيل .
(-) تسليط الضوء على هذه العقبات المانعة او المثبطة لمسار بناء هذه الجبهة لا يمكن ان تتجاوز الرؤى المستقبلية لكل طرف لمآلات مابعد الحرب ، فحين يكتفى ( الإصلاحيون ) إن جاز التعبير باستعادة مسار التحول المدنى الديمقراطى ، يرى (الراديكاليون) أن المآل يجب ان ينتهى لتغيير جذرى كامل وشامل لبنية الدولة القديمة التى تراكمت فيها الاختلالات البنيوية والعلاقات الاقتصادية المفقرة للغالبية العظمى لجماهير الشعب وقواه الاجتماعية المنتجة ، الامر الذى يستدعى مزيد من الحوار بين الاطراف لا التمترس خلف القناعات الخاصة ما دام مصلحة الجماهير ورفاهيتها ومن قبل كرامتها هى المقصد والمبتقى ، فإن تعثر التوافق لاختلاف المرجعيات والروئ او حتى المصالح الخاصة لكل طرف ، يجب ألا يكون مثل هذا الاختلاف كابحاً لبناء مثل هذه الجبهة بل يجب ان يكون دافعاً اكبر ، لسبب بسيط وهو التأسيس لفضاء ديمقراطى يتيح لكل طرف تنظيم جماهيره والتبشير برؤيته حيث الكلمة الفصل للجماهير التى تعرف اين تكمن مصلحتها النهائية .
(*) أعلاه ، مجرد إشارات مختصرة فى شأن بناء الجبهة المدنية الديمقراطية تتكامل مع ثمانية مساهماتٍ سابقة تناولت فيها ذات الموضوع من زوايا رؤية مختلفة على مدار الخمسة سنوات الفائتة حسب السياق التاريخى لكل مساهمة ؛ بعد الانتصار الجزئى للثورة ، وعقب خروج الحزب الشيوعى من تحالف الحرية والتغيير ، وبعد إنقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر واخيراً بعد هذه الحرب المدمرة ، وما ذلك إلا لاهمية مثل هذا التحالف العريض ليس من اجل إنهاء هذه الحرب فقط ، بل فوق ذلك من اجل صيانة مهام إعادة التأسيس التى ستعقب هذه الحرب والمؤسسة لتحول ديمقراطى حقيقي ثم ترسيخ واستدامة هذا التحول المدنى الديمقراطى ، يأتى كل ذلك على خلفية إتفاق الجميع على أن آلية النضال السلمى هى الآلية الاكثر نجاعة والتى لن تكون كذلك بلا وحدة جماهيرية غالبة ، تلك الوحدة التى يصعب بناءها من دون رؤية وتنظيم موحدين ، وهنا تصبح ضرورة بناء الجبهة المدنية الديمقراطية ضرورة ثورية بإمتياز .

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 4 / 5. Total : 1

كن أول من يقيم هذا المقال