قبل أن َنتخِذَ موقفاً …يجِب أن نعي أين َنِقف؟ (2)
مقارنات مفاهيمية لفلاسفة شيوعيين حول فلسفة التغيير
المنتصر احمد
_____________________
هذه الدراسة:
تستعرض المواقف والاتفاقيات السياسية المرحلية وتاثيرها على الهدف الاستراتيجي تباعا وسنلقي الضوء على هذة المفاهيم من منظور اشتراكي علمي كما سنناقش جدوى الاتفاقات المبرمه على هذا الاساس .
الجدير بالذكر انه تمت الاستعانة ببرامج الذكاء الصناعي في خلق قاعدة بينات تحوي كتابات ومواقف سابقة لبعض القيادات التاريخية للحزب الشيوعي السوداني واستنتاج مواقف انية مبنية على قدرة البرنامج على التحليل والتوقع ……..
هنا الجزء الثاني من الدراسة
مقارنات مفاهيمية لفلاسفة شيوعيين حول فلسفة التغيير
يقول البعض ان أنطونيو غرامشي كان من أبرز المفكرين الماركسيين الذين ساهموا في تطوير الفهم للعلاقة بين التكتيكي والاستراتيجي من خلال مفاهيمه حول الهيمنة الثقافية والسياسة الثورية حيث قدم غرامشي العديد من الأفكار التي أثرت على كيفية تعامل الحركات الشيوعية مع التغيير الاجتماعي والسياسي حيث انه وعبر الهيمنة الثقافية (Hegemony) طوّر غرامشي مفهومها ليشرح كيف يمكن للطبقة الحاكمة أن تسيطر ليس فقط عبر القوة السياسية والاقتصادية، بل أيضاً عبر السيطرة الثقافية والأيديولوجية حيث ان الهيمنة تعني القدرة على فرض رؤيتهم للعالم بحيث تصبح مقبولة وطبيعية للجميع وتجد لها جذور في ثقافة المجتمع لتعيد انتاج نفسها عبر قراراتهم وهذا ما عملت عليه الحركة الاسلامية طيلة اربعين سنة ماضية .
انه من خلال فهم الهيمنة، يمكن للحركات الثورية أن تركز ليس فقط على النضال المباشر ضد النظام الرأسمالي، بل أيضاً على النضال الثقافي والأيديولوجي لكسب عقول وقلوب الناس في عملية نشر الوعي وسط الجماهي .
غرامشي له ممصطلح يسمى الحرب على الجبهتين (War of Position vs. War of Maneuver) :
– حرب المواقع أو الخنادق او التمركز او التمترس (War of Position) : هذه الاستراتيجية تتعلق بالنضال الطويل الأمد لبناء قواعد قوة في المجتمع المدني، من خلال مؤسسات مثل النقابات، المدارس، والوسائل الإعلامية الهيمنة الثقافية التغيير السلمي عبر مجالس جماهيرية، هذه الحرب تتطلب تغييرات تدريجية وإقامة تحالفات واسعة.
– حرب المناورة او حرب الحركة او حرب المراوغة (War of Maneuver) : تتعلق بالنضال المباشر والسريع للاستيلاء على السلطة السياسية، وغالباً ما يرتبط بالثورات والانقلابات ان هذا النوع من النضال يكون مناسباً في فترات الأزمات والحروب حيث يكون النظام الحاكم ضعيفاً وتحديدا اذا كان هناك اعتداء خارجي واضح .
بعد هزائم الحركة العمالية الثورية في أوروبا الغربية ، خلق غرامشي قطيعه بينه وبين مفهوم التحول البسيط لنموذج الثورة البلشفية واستبعد ان يمكن تطبيقه كنموذج مماثل ايضا في أوروبا الغربية ، في رسالة إلى توجلياتي في عام 1924 ، كان عليه أن يسلم له بحقيقة :
إن التصميم (الثوري) ، الذي كان فوريًا في روسيا ودفع الجماهير إلى الشوارع في انتفاضة ثورية ، معقد في وسط وغرب أوروبا بسبب كل البنى الفوقية التي كانت أعلى هرم المجتمع وتتحكم فيه ، إن درجة التطور الرأسمالي تجعل العمل الجماهيري أبطأ وأكثر حذرًا ، وبالتالي تتطلب من الحزب الثوري استراتيجية وتكتيكات أكثر تعقيدًا وطويلة الأمد من تلك التي طلبها البلاشفة في الفترة ما بين مارس ونوفمبر .
في عشرينيات القرن الماضي ، أدرك غرامشي حقيقة أن علاقات القوة في الشرق لا يمكن مقارنتها بعلاقات القوة في الغرب ، وبناءً على هذا الإدراك ، حاول تطبيق استراتيجية مختلفة على الغرب ، لقد غير الاستنتاجات النظرية للثورة واعتبر أنه من الضروري التحول من حرب المناورة إلى حرب المواقع ، في هذه التأملات حول نظرية الثورة ، يشير غرامشي بيانياً إلى التغيير في الإستراتيجية العسكرية على الجبهة الغربية خلال الحرب العالمية الأولى.
بالنسبة لغرامشي ، فإن مصطلح حرب الخنادق في دفاتر السجون هو فكرة مركزية في نظريته عن الانتقال إلى الاشتراكية في البلدان المتقدمة صناعيًا ، يعتقد جرامشي أن حرب المناورة مثل تلك التي حدثت في روسيا عام 1917 ، أي الاستيلاء على السلطة في فترة زمنية قصيرة نسبيًا ، ممكنة فقط في البلدان المتخلفة ، ومع ذلك ، في الغرب ، ينادي جرامشي بضرورة حرب الخنادق ، مما يعني أنه يجب على الطبقة العاملة تطوير نضال طويل الأمد من أجل الهيمنة على جميع مستويات الحياة الاجتماعية حتى قبل الثورة (الفعلية) .
المنطقة التي يمكن فيها تحدي الهيمنة هي المنطقة التي تدعمها أيضًا ، أي المجتمع المدني ، يفهم جرامشي المجتمع المدني على أنه أرض ساحات القتال المختلفة ، يبرر غرامشي ذلك بالقول إن المجتمع المدني بمؤسساته التي تعمل على تحقيق الاستقرار يحمي الدولة من المواجهة المباشرة ، بحيث لا يستطيع أولئك الذين يريدون التغيير ببساطة تطوير ظروف اجتماعية جديدة عليه ان العمل وسط المجتمع المدني عبر التغيير الاجتماعي مترجما لنظرية غرامشي حول حرب الخنادق او المواقع او التغير طويل الامد هو عمليا ضرورة لازمة لتجهيز المجتمع لكي يدعم عملية التغيير نفسها التي ستحدث لاحقا في الثورة الفعلية .
يتحدث غرامشي عن حرب المناورة ، حيث كان الغزو المباشر لسلطة الدولة لا يزال ممكناً ومع ذلك ، فإن عملية تغيير الوضع السياسي في الدولة الغربية يجب أن يسبقها الاستيلاء على القوة المهيمنة ، إن القوى العاملة ، التي هي موضوع الحركة الثورية وتسعى إلى الإطاحة بالدولة البرجوازية ، تجد نفسها في حرب مواقع ، في صراع بعيد المدى من أجل تغيير التنظيمات الاجتماعية والتأثير الثقافي .
يقرأ المرء عند غرامشي: “في الشرق كانت الدولة هي كل شيء ، كان المجتمع المدني في مهده وهلامياً في الغرب ، كانت العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني صحيحة ، وعندما تعثرت الدولة ، تم الاعتراف على الفور ببنية قوية للمجتمع المدني ، لم تكن الدولة إلا خندقًا أماميًا ، كانت خلفه سلسلة قوية من القلاع والحصون. من دولة إلى دولة بشكل أو بآخر ، بالطبع ، لكن هذا داعيا إلتحقيق مفصل لطبيعة وطنية “ (جرامشي ، 1991 ، 874 (الكتاب السابع ، 16)).
ويؤكد كذلك انه تتطلب حرب الخنادق تضحيات هائلة من معظم ان لم يكن كل جماهير لتشمل اغلبية طاغية من السكان ، لذلك ، هناك حاجة إلى تركيز غير مسبوق للهيمنة ، وبالتالي ، شكل أكثر توسع متضمنا شكل الحكومة ، وأكثر انفتاحًا على مهاجمة المعارضين وتنظيم المستحيل لخلق خلخلة وهزة داخل اجهزة الحكم باستمرار من جميع الأنواع ، السياسية ، الإدارية ، إلخ. ، كما يجب تعزيز “المواقف” المهيمنة للجماعة الطالبة التغيير لتصبح مؤثرة بصورة او اخرى على المجموعه الحاكمة من علاقات انسانية او سيطرة على الاسواق عبر النقابات العمالية ، إلخ.
لذلك وصف غرامشي الاستراتيجية الثورية للبلاشفة في روسيا كحرب حركة لأن البلاشفة استولوا على السلطة في لمح البصر ويقارن جرامشي هذا مع استراتيجية حرب الخنادق او المواقع حيث تتطلب حرب الخنادق استراتيجية حصار وتغيير مستمر في نمط الحياة ، حصار لجهاز الدولة من شتى الانواع اضرابات اعتصامات تجمهرات ومحافظة يومية على الكتله الثورية متحدة خلف برنامج تغيير ينتمي له الغالبية ويوافقون عليه وهذا ضروري لأن المجتمع المدني ينظم شبكة مرنة من المؤسسات الخاصة به التي تولد ثقة ومبادرة الجماهير من أجل الحفاظ على أسلوب الحياة السائد واستمراره.
في مرحلة اخرى من التاريخ الانساني وتاريخ الحركة الشيوعية لا يسعنا ان نتخطى روزا لوكسمبورغ، واحدة من أبرز المفكرين الاشتراكيين العلميين في القرن العشرين، كانت معروفة بآرائها القوية حول قضايا التحالفات الاستراتيجية والتكتيكية في الصراع الطبقي والحركات الثورية. رؤيتها كانت تتسم بالتركيز على المبادئ الثورية والاستقلالية الطبقية.
لوكسمبورغ أكدت على أهمية استقلالية الحركة العمالية عن الأحزاب البرجوازية والقوى الأخرى و كانت تعتقد أن التحالفات مع الأحزاب البرجوازية قد تؤدي إلى تمييع الأهداف الثورية للحركة العمالية وتقويض استقلاليتها وكانت مؤمنة بأن الديمقراطية الداخلية والمشاركة الجماهيرية هما أساس أي حركة ثورية ناجحة كما رأت أن التحالفات يجب أن تكون مبنية على مشاركة القاعدة الجماهيرية وليس على قرارات نخب سياسية و كانت حذرة جدا من التحالفات مع القوى الإصلاحية التي تسعى إلى تغييرات تدريجية ضمن النظام الرأسمالي كما كانت تعتقد أن مثل هذه التحالفات قد تؤدي إلى خيانة الأهداف الثورية للحركة العمالية.
في الوقت نفسه، لم تهمل أبدًا أهمية التكتيكات المرنة، لكنها أصرت على أن هذه التكتيكات يجب أن تظل ضمن إطار المبادئ الثورية وألا تحيد عن الأهداف الأساسية للاشتراكية، وبالتالي انتقدت السياسات الاشتراكية الديمقراطية التقليدية التي فضلت التحالفات البرلمانية مع الأحزاب البرجوازية. ويؤمن بتقويضهم للثورة الاشتراكية ويؤدي إلى إصلاحات سطحية بدلاً من التغيير الجذري.
بشكل عام، انبثقت رؤية روزا لوكسمبورغ للتحالفات الاستراتيجية والتكتيكية من التزامها العميق بالمبادئ الثورية والاشتراكية العلمية، فضلاً عن اهتمامها باستقلال الحركة العمالية وديمقراطيتها الداخلية.مقايسة لمواقف بعض المفكرين السودانيين بالخصوص