القبطي الأخير في المشهد الثقافي :مرة اخرى !
عبدالله رزق ابوسيمازه
تحت هذا العنوان :(القبطي الأخير في المشهد الثقافي )، كتبت عنه، عندما جمعتنا معا، جريدة المجالس، في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي.
فتولى الاستاذ نبيل غالي جرس، رئاسة تحرير الصحيفة الاجتماعية، توأم (الرأي الآخر) السياسية، عامئذ، وهو الرمز الثقافي المميز، لم يخل – في تقديري – من دلالات ذات اهمية فائقة. فهو آخر من تبقى من المثقفين الاقباط الفاعلين في المشهد الثقافي السوداني، بعد رحيل الاديب الروائي، الاستاذ جمال عبدالملك الشهير بابن خلدون، والذي عرف بمساهماته فيما اصطلح عليه بقصص الخيال العلمي.
فقد اهتم الأستاذ نبيل غالي بالقصة القصيرة، التي كانت بطاقة دخوله لعالم الأدب الفسيح كفاعل نشط متعدد الاهتمامات. حيث أصدر، في وقت مبكر، أول وآخر، مجموعة قصصية له بعنوان ” اتكاءة تحت عيون حبيبتي “،فقد كان مقلا في هذا المجال، ومع ذلك لم تكن القصة، التي اسهمت في شهرته، مجال ابداعه الوحيد. فقد تنوعت نشاطاته ومساهماته الثقافية، لكنه بذل جهدا ملموسا في أعمال ذات طبيعة بحثية منها بيبلوغرافيا الرواية السودانية، والتجربة الروائية للقاص إبراهيم إسحق.
نبيل غالي، الصحفي الذي تنقل بين العديد من الصحف بالخرطوم ، التي انتقل إليها من مسقط راسه، سنار، منذ مطلع التسعينات، بدأ مشواره في هذا المجال بإصدارة ” الزرقاء “،والتي كانت تطبع بالرونيو، بمشاركة العديد من مبدعي سنار، نهاية السبعينات واوائل الثمانينات، حيث كانت واجهة ومنبرا لنشاط رابطتهم الثقافية، آنذاك. في وقت شهد ازدهار وتنامي نشاط الكيانات في مدني وكسلا والأبيض وغيرها.
وقد عادت رابطة سنار الأدبية، منتصف هذا الاسبوع، للحضور مجددا، لتقرر، ضمن أشياء أخرى، تنظيم احتفال وتكريم لمؤسسها، الأستاذ نبيل غالي، في مقبل الايام.
مرة ثانية، يكتسب تكريم الأستاذ نبيل غالي والاحتفاء بتجربته الابداعية أهمية إضافية، وتتألق دلالته العميقة.
فصمود نبيل غالي، وغيره من الاقباط السودانيين، في وقت دفعت الهجرات المتتالية، تحت وطأة القهر الثقافي والسياسي، خاصة، بالكثيرين لمغادرة الوطن إلى المنافي البعيدة، لهو واقعة شديدة الأثر.
فمع تناقص اعداد الاقباط، يتراجع اسهامهم في الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية، طرديا مع تصاعد موجة الهوس الديني منذ منتصف الثمانينات.
ففي احتفاء الوسط الثقافي السناري، وقد سبقته مبادرات مماثلة، وتكريمه، هو احتفاء بالتعدد الثقافي والديني، الذي يسم البلاد من قديم الزمان ،وسالف العصر والاوان، باعتباره أحد شهوده. ولكنه، كذلك، احتفاء بالرمزية التي يجسدها، وليس محض اعتراف بدوره النشط في الحياة الثقافية، حسب، وإنما، هو بدلالة الظروف التي تحيط بالمناسبة، حيث يختبر تماسك الكيان السوداني، وهو يواجه تحديا مصيريا بمستوى أن يكون أو لا يكون، احتفاء جليل بالتنوع الثقافي والديني، في إطار الوحدة، كضمانة لتماسك النسيج الاجتماعي والوطني.