تعقيدات تنذر بالتفكك الشامل
وائل محجوب
• من الواضح من تتبع خط سير البرهان وزياراته الخارجية، أن هذه الزيارات يسعى من خلالها لتحقيق هدفين لا ثالث لهما؛
– حشد المواقف حول القوات المسلحة باعتبارها القوة المسلحة الرسمية للدولة، تواجه تمردا من قوات الدعم السريع، التي تفتقر للشرعية لا سيما بعد قرار حلها، واستقراء امكانيات الحصول على دعم عسكري أو فني، يعين على إدارة الحرب.
– خلق كتلة متماسكة من دول الجوار والمنطقة، داعمة للحكومة التي يعتزم تشكيلها تعترف بها حال اعلانها، فتكتسب شرعية أمر واقع من خلال هذا الاعتراف، وبخلق مجموعة من الدول قابلة للتعامل معها، هذه الزيارات لا صلة لها بالبحث عن السلام.
• ما يحاول البرهان الوصول اليه يتجاهل حقائق الواقع، فمنذ انقلاب ٢٥ اكتوبر وحتى اندلاع الحرب في الخامس عشر من ابريل الماضي، فشل البرهان وحميدتي وحلفاء انقلابهما في تشكيل حكومة تسند الانقلاب، وتقوم بمهام إدارة الدولة، لذلك لجأوا للاستعانة بكوادر الوزارات وتم تعيينهم كوزراء مكلفين، وبقي الوضع كما هو عليه حتى اليوم.
• لم ينجح الانقلاب الذي قاد لموجة عنف كبيرة، سقط جراءها ما لا يقل عن ١٥٠ شهيدا والآف الجرحى في شيء، سوى فتح المجال أمام فلول النظام البائد، لاستعادة مواقعهم في جهاز الدولة ومؤسساتها، وتمكينهم من استرداد مؤسساتهم وأموالهم وأراضيهم المصادرة بواسطة لجنة تفكيك التمكين، وقاد البلاد للانزلاق تبعا لذلك في هذه الحرب الآسنة.
• لقد ظل انقلاب ٢٥ اكتوبر منبوذا وقاد لعزلة كاملة للبلاد، حيث تم تجميد عضوية السودان في الإتحاد الافريقي، الذي بادر برفض الانقلاب ودعا لتسليم السلطة لحكومة مدنية، كأساس لاستعادة السودان لموقعه في الإتحاد، وكذلك مضى الإتحاد الاوربي والولايات المتحدة لتجميد كل الاتفاقيات التي تم التوصل اليها، خلال عهد الحكومتين الانتقاليتين، وجمدت المؤسسات الاقتصادية والمالية ممثلة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، كل الاتفاقات التي تمت لتسوية مديونية السودان، وبدء تنفيذ ما تم التوافق عليه في مؤتمر باريس للمانحين، والذي كان سيضمن تنفيذ مشاريع في مختلف المجالات، كما انه كان سيفتح الباب للسودان للاقتراض من المؤسسات الدولية.
• وبالرغم من كل هذه الحقائق الواضحة وضوح الشمس، يمارس كل من البرهان وحميدتي الابتزاز والتلاعب بوحدة البلاد، من خلال طرحهما لفكرة تشكيل حكومتين في مناطق سيطرة قواتهما، في محاولة للعب بالنار، تنفيذا لأجندة شركائهما الداخليين والخارجيين، فهل صار السودان رهينا لقائدين عسكريين يفتقران لأبسط شروط القيادة من مسئولية وحرص على وحدة البلاد، وسلامة شعبها الذي تجرع الأمرين من حربهما الوبال؟
• إن إقدام أي طرف من الأثنين على تشكيل حكومة في الرقعة الجغرافية التي يسيطر عليها، سيفضي لانهيار كامل البلاد وتفككها لدويلات، لا سيما وأن هناك مناطق واسعة خارج سيطرة قواتهما، حيث يسيطر الجيش الشعبي بقيادة عبد العزيز الحلو، على مناطق واسعة بجنوب كردفان وأماكن أخرى بالنيل الازرق، بل باتت قواته على مشارف عاصمة الولاية كادوقلي، وقد دارت خلال الاسابيع الماضية معارك على تخومها.
• فيما تسيطر حركة تحرير السودان على منطقة جبل مرة والمناطق المحيطة به، وكلا الحركتان لا يوجد أي اتفاق للسلام، بل حتى اتفاقيات وقف اطلاق النار تجمعهما بالحكومة السودانية، وقد أعلن الحلو ان اتفاق وقف اطلاق النار الذي تم تجديده خلال فترة الحكومة الانتقالية لم يعد ساريا بعد انقلاب ٢٥ اكتوبر، وجاء ذلك في معرض تبريره للعمليات العسكرية التي نشط فيها جيشه، فهل يتصور جنرالي الغفلة أن إعلان ايا منهما لحكومة، سيقابل بالصمت وعدم الاكتراث من الحلو وعبد الواحد، أم سيسارعان لإعلان حكومات على مناطق سيطرتهما، ومن غير المستبعد أن يعلن أيا منهما منطقته دولة قائمة بذاتها.
• إن هذا العبث الذي يتم بالبلاد ووحدتها من قبل البرهان وحميدتي يجب أن يقابل بالرفض، وبأن تحاصر تلك الألاعيب التي يقف من ورائها فلول النظام البائد واعوانهم من خلف البرهان، والمطامع الخارجية الداعمة لحميدتي وجيشه.
• السودان ليس ليبيا وتعقيدات واقعه، تنذر بالتفكك الشامل حال الإقدام على لعبة تشكيل الحكومات وفصل المناطق، يكفي الموت والخراب والدمار الذي ساقا البلاد اليه، فلا يضيفا جريمة أخرى لسلسلة الجرائم التي تورطا فيها وستحاصرهم عما قريب.
• وأخيرا؛ ان مسئولية القوات المسلحة السودانية التي أقسم أفرادها عليها هي الحفاظ على استقلال واستقرار السودان ووحدة وسلامة اراضيه وصون ترابه، هذه هي مسئوليتها بحسب قانونها وبحسب مسئوليتها الوظيفية، لذلك يجب على قائدها العام أن يعبر عن تلك المسئوليات في كل قراراته وخطواته، وأي منحى يتعارض مع هذه المسئوليات، يضعه في خانة الخروج على قوانين المؤسسة العسكرية نفسها.