آهة بتطلع بدمع العين وزفرة بتحرق انفاسي العبقرية ضحية السطحية
*قرنق توماس ضل
آهة بتطلع بدمع العين و زفرة بتحرق انفاسي
العبقرية ضحية السطحية
عبد المنعم عبد الحي الدينكاوي
أنا أم درمان تأمل في ربوعي
أنا السودان تمثل في نجوعي
أنا ابن الشمال سكنته قلبي
على ابن الجنوب ضميت ضلوعي
أنا أم درمان سلوا النيلين عني
و عن عزمات فتاي عند التجني
فخير بنيك يا سودان مني
سلوا الحادي سلوا الشادي المغني
أنا أم درمان إذا ما قلت أعني
فما نيل المطالب بالتمني
تجيش النفس بالآمال لكن
و لكن هذه لما لا تدعني
أنا أم درمان مضى أمسي بنحسي
غداً وفتاي يحطم قيد حبسي
و أخرج للملأ في ثوب عرسي
و ابسم بعدما قد طال عبسي
و أعلن والفضاء يعلن همسي
و أهتف والورى يعرف حسي
فيا سودان إذا ما النفس هانت
أقدم للفداء روحي ونفسي.
هذه طاقة وطنية هائلة بثتها قريحة رجل سوداني مبدع في وجدان الناس السودانيين ، لعلها اكثر النصوص الغنائية السودانية ذات التعبير الفصيح العالي عن الانتماء، هي بذلك مرافعة سودانوية بامتياز .
الكاتب هو الشاعر الغنائي الرائد عبدالمنعم عبدالحي الدينكاوي و المغني هو عميد الفن الفنان الكبير احمد المصطفى ، اما و قد :
فاعزروني لأن المدخل التالي ليست الاغنية الاثيرة اعلاه، لكن ما سياتي قوله تاليا للدلالة على الجحود الكبير الذي يلاقيه المبدعين في البلاد الكبيرة مع الاستسهال الكبير الذي يتعامل به بعض سياسيي زمان العصابة المتأسلمة مع وشائج الانتماء المشترك، فتاريخنا كمثل ( فأر المسيد) ادخلناه ( جحر الضب) المسمى ( هوية) فحاصرناه بالاعتداد الزائف، حاصرناه بتهاويم القوميين ، حاصرناه بأوهام الانتقائيين الذين تورطوا في الاعراق (خبطك لصقك)، ثم ادخلناه تخاليط المهاويس المتطرفين حتى انشطرت البلاد الكبيرة ، هذا ما جعلنا لا ننتبه لأجيال صنعت المدينة و المدنية السودانية، جملوها و شيدوا محافل الرقي و التحضر فيها هؤلاء هم من نسميهم (السودانيين المنبتين) ، يا لها من تسمية تحمل في داخلها بلاوي السودانيين في الاقصاء.
السودانيين المنبتين هم ابناء الاسر المسرحة بعد الغاء الرق في السودان و منعه قانونا في عهد الاستعمار البريطاني ليتمكنوا بعد ذلك تصاريف الحياة الحرة، كما في سبيل ترقيتهم في السلم الاجتماعي و قد كانوا من اصقاع السودان المختلفة ، استوعبتهم الادارة البريطانية و المصرية في الجيش و انتدبتهم للبوليس كما ادخل بعضهم كلية غردون الى ان تخرجوا فاستوعبتهم سلك الادارة و التدريس وما الى ذلك، تميز من تميز و تفرد منهم تفرد ، كانت المجموعة الغالبة من ثورة 1924 منهم، بقيادة علي عبداللطيف و كان منهم من برع و شاعت شهرته في الجندية ، منهم من تمرس في الادب واشتهر بالفنون من غناء وموسيقى و تسنم مكانا في القضاء والإدارة فكان منهم الرائد و الرمز الذي تمشي بسيرته الركبان السودانية الخ.
هي اسماء رنانة تنسب الى قبائل السودان و اتجاهاتهم المختلفة ، منهم من لفتهم آلة التذويب المركزية و نكل بهم العنف الاجتماعي الصامت الذي يمارس باسم الاصل والقبيلة و العرق و باسم الجنس ، و ما اليهم من اركان التخلف السوداني المقيم ، فاصبحوا بذلك السودانيين المنبتين و يمكن ان نفرد بوستا توثيقيا لهم.
لكن هذه مقدمة لأدلف الى مقدمة اخرى ، هي اني تألمت اشد الالم من خطل الذين يتحدثون عن الوطن الكبير السودان بسطحية مقيتة يصيب (بالاشمئناط) ، القدر يسخر منا يا هداك الله بإهدائنا امثال الذين يسمونهم هذه الايام بالقياديين (و القيادي ليس كالقائد طبعا) ،ربما القيادي ، صنو الانتهازي اجاركم الله.
تألمت و الله لاحداهن زيادة على ألمي الدفين على قلة ارادة السودانيين (القياديين) التي تمثلت في ضياع الفرص التاريخية منهم ليذهبوا مذهب الديكة في الصراع و مذهب الطرشان في الحوار ، هذه القيادية اعزكم/ن الله كانت تهرف بما لا تعرف في صحيفة صفراء من صحف هذه الايام الغبراء ، التي للأسف لعبت و ما زالت تلعب دورا حالكا في نشر الكراهية و في تكريس العنصرية بين ابناء الوطن ذلك امر عجيب ممن يتحدثون و يستدلون ليل نهار بالآي الكريم ، يصدعون الاحاديث الشريفة.
اما هي، أعني، القيادية فتقول ان الجنوب لم يكن يوما جزءا من السودان ، الكلام هنا مطلق هكذا في لزوجة مقيتة.
همني و غمني ، انها لا تعرف عن اي السودان تتحدث واي جنوب له و هي بكل أسف الموصوفة بالقيادية.
هل هو السودان الممتد من الواوات و كوش و اكسوم و مروي، ام هو السودان الفرنسي، ام الانجليزي ام التركي ، ام المصري الممتد من بحيرة البرت مع النيل مرورا بالرجاف انتهاءا بأسوان، ام السودان الممتد من كانم و تمبكتو ارض عثمان دانفوديو بمالي مرورا بانجمينا رابح الزبير باشا و ابشي و فزان مرورا بدارفور وصولا للحبشة ، ام هذا السودان (الفي السهلة) المبتور ، يا ويح سوداننا، ام هو السودان الممتد في وجدان الناس.
الجنوب سيدتي جزء اصيل في الوجدان ، جزء أصيل في الوجدان ،ربما القياديون/ات لا يعرفون معنى الوجدان
، الوجدان ثروة اخرى غير قابلة للتنازع ، غير قابلة للتقسيم ، الوجدان ارض اخرى لا تفهم الاصطراع و لا تعرف الاقتتال. الوجدان ليس بترولا ، ليس منطقة متنازعة عليها ادعاءا الحقيقة ، الوجدان ليس حدودا افتراضية تخلقها خطل الساسة و شيوع المرض العنصري و شح الارادة الوطنية و قلة الهمة.
الوجدان شيء آخر يصنعه تلاقح الناس ، يبنيه تعاشرهم ، يسقيه اخذ الناس و عطاءهم ، يصنعه راكم تجاربهم الاليمة قبل المفرحة ، ياويح وطني بمثل هؤلاء ، الوجدان ليس جهلا مطبقا ، ليس هذا النكران المبين للقدر الذي يطفر من بين الوان الناس ، يزين طبائع الناس ، يلطف كلام الناس ، الوجدان سيدتي عصي على الادوات المحمومة للتذويب و التعمية ، عصي علي التنكر الجزافي ، صعيب على الادعاء و الزيف ، اكبر من التاويل الفطير ، الوجدان صناعة الانسان الحق السليق الذي يعي فلسفة الخلق في الاختلاف و معناه في التعايش ، الوجدان يعي جمال الخلق في التنوع ، في تفاصيل حياتهم التي في التكامل والتعارف، الوجدان هناك حتى بالتدافع الذي لا ينفي حقيقة الاشياء. الوجدان صنعة المبدعين الملهمين الملهَمين باللحن ، باللون ، بالحرف ، بالروح ، و بطعم الافئدة .
من سينزع علي عبداللطيف* النوباوي (جبال النوبة) الدينكاوي (جنوب السودان) الخندقاوي (الخندق اقصى شمال السودان) من وجدان الثورة في السودان، هو زميله الموراوي النويراوي الامدرماني عبد الفضيل الماظ الذي لا تزال روحه ترفرف حول مستشفى النهر (العيون) هم حداة الناس السودانيين في ثورتهم الوطنية المعروفة.
من سينزع محمد عشري الصديق الامدرماني الشلكاوي من وجدان الثقافة في السودان؟ ، من سيفعل ذلك مع رمضان زايد الشلكاوي النوباوي او مع رمضان حسن ود مدني الزانداوي فينزعهم من وجدان الغناء في السودان ؟ ، من سيفعل ذلك مع يوسف فتاكي البارياوي فيشطب اغنية ياي بلدنا و كلنا اخوان من ذاكرة الناس الجامعة ، القيادية لا تعرفه لا تعرف ابن شيخ الختمية الذي في نواحي ياي و جوبا ، هي ايضا لا تسمع عقد الجلاد ؟ ، من سينزع احمد مرجان بن ملكال ملحن و واضع موسيقى نشيد العلم الذي نهتف به و تهتف به القيادية (نحن جند الله جند الوطن) ، من سيفعل ذلك مع زيدان ابراهيم العندليب القادم من غرب بحر الغزال و مع بنات الجنوب ميري خميس و فاطنة خميس اللائي حقلن في وجدان الناس السودانيين اغنية (دمعي اتشتت و غلب اللقاط) ثم اهدن الناس التم تم بضم التاء ، ثم من سينزع يور اني يور ابن شمال بحر الغزال، حارس الهلال العملاق بن أويل و المسافة طويل ، هو و إدوارد جلدو جان المريخ والهلال و عوض دوكة بن واو فارس الموردة من وجدان الرياضة في السودان.
ثم يجرؤ ان يفعل ذلك مع جون قرنق و جوزيف قرنق و عبدالله دينق و موسى المك و كلمنت امبورو و ابيل الير حين الحديث عن السياسة، من سيفعل مع فرانسيس مدينق دينق و بيتر قاركواث و سانتينو دينق تينق و جيرفس ياك ،
يا اقدار الله من متلازمة السطحية المقيتة هذه التي تغشى عيون القياديات و تعمي قلوب القياديين في بلادي.
نحن ازاء هذا الخطل نتذكر الحداة الميامين الثقاة الفنانين الذين رووا الذائقة و عطروا الافئدة ، جعلوا لليل المدينة و نهارها و صباحاتها طعما و لونا ياخذ الالباب، طعم بلادنا الباهر الذي لا يمارى و لا يوارى و لا يجارى.
نتاسى بان الزمان قد جار على ناس السودان بالارتداد الى البداوة و الارتكان الى الجلافة ثم الاستسلام للغلظة القبلية غير المبررة ، نتأسى ان المدينة السودانية قد ارتدت الى دمس الغاب و فراغ الصحراء. نلوك فيهما القبيلة لعل و عسى و لكن هيهات.
الذي نحن بصدده اليوم هو عبد المنعم عبدالحي حادي ركب شعراء الغناء السوداني الحديث و المبلغ عنهم المستفيض ، لاقدار الله ان يكون هذا العبدالمنعم العبدالحي من قبيلة الدينكا القبيلة السودانية الكبرى ق أ ب أ (قبل الانفصال وبعد الانفصال) ثم يكون هو المشكل الاعظم تاريخيا لذائقة الغناء السوداني، ينسف تنطع المتطرفين هنا و هناك ، يفضح تنطع القوميين شمالا و جنوبا بانهم (جابوا الهوية من ذيلها) و هم لم يفعلوا شيئا سوى الاستسلام للمرض.
هذا العبد المنعم العبد الحي رائد الرواد الشعراء الغنائين ان لم يكن اميزهم بل كان اغزرهم انتاجا على الاطلاق كان اكثر الشعراء ارتباطا بكل جيل الاغنية الاغنية الحديثة في السودان ، هو لم يقل في الناس بالصوت الداوي هذه قبيلتي، هو لم يفعل ، لم يكن ليفعل ، و ربما مات خجلا لهذا الارتداد المؤسف للبداوة و القبيلة و ما شابه ، هو و جيله من صنعوا المدينة، يربأؤون عن هكذا سقوط .
ترعرع في امدرمان، هو ابن امدرمان ابن ( الخجة) الامدرمانية التي تمتلك من كل سودان قطرة ، تحتوي من كل سحنة لون، تشرب روحها بتنوع الأجناس ، تسعد بتلاقحها ينداح ذلك في لياليها و اماسيها ، يحتفل من شخوصها، يفتخر بتاريخها ، بالعلائق بين انسانها ، بلابداع من انسانها الاخر ، هذا التلاقح كان هذا الدينكاوي الجميل من الاباء المؤسسين و كيف به ردا و هو القائل :
انا امدرمان تأمل في نجوعي
انا السودان تمثل في ربوعي
انا ابن الشمال سكنتو قلبي
على الجنوب ضميت ضلوعي
يا اقدار الله ، يا لجحود البلاد الجميلة ، يا لرقة الشعراء والمغنين في بلادي ، هذا بيان سودانوي غاية في الابانة عن الانتماء باعتبار ام درمان عاصمة الوطنية و ملتقى تلاقح الاعراق السودانية، الاغنية تمثل ردا بليغا على اضغاث قياديي و قياديات اخر الزمان .
فلنذهب لنتلقي مع منجزه العظيم في شعر الغناء ، عبدالمنعم عبدالحي اشاد بشعره المعبر السهل الممتنع صرح الشهرة الكبير الذي ابتناه الفنان سيد خليفة ، هو من كتب لسيد خليفة المامبو السوداني:
المامبو دا سوداني ، المامبو في كياني
في عودي وكماني ، ما اجمل الحاني مامبووووو
يا حبيبة ما احلاكي المامبو في غناكي
اللحنو خلاكي تتمايلي في خطاك
على انغام المامبو مامبووو
المدد خطاك الحال ، كالوردة في البستان
انا قلبي بات حيران ، ما كان ياريت ما كان
يوم رقصة المامبو مامبووو
يا حبيبة ياعودك ، يا وردة في خدودك
اضنيتي مريودك مين بكرة موعودك
لو رقص معاك مامبو شوفو جمال النيل
ياثريا نادي سهير كل خل معاهو خليل
و انا وحدي طول الليل عصر الهوى قلبو
يوم رقصة المامبو مامبوووو
اثرت ذكر معظمها للفائدة العامة، هي من اغنيات التركيب ، الشعر المؤلف على اللحن، برع فيها عبدالمنعم عبدالحي براعة لافتة مع اكثر من فنان سيظهر ذلك لاحقا و رغم ان هذه الاغنية اشتهرت شهرة فائقة ، الشهرة التي ربما اختصرت غناء سيد خليفة و نمطته، الا ان مفرداتها البسيطة هي التي شكلت ركن الشهرة الركين، نعلم كلاسيكيات سيد خليفة الاخرى التي كتبها عبدالمنعم عبدالحي التي تختلف عن الطقاطيق مثل المامبو هذه، سطت فرقة خليجية على هذه الاغنية التي اصبحت تمثل لنا تراثا ، تظل هذه الاغنية رغم كل شئ من الرموز الابداعية الدالة على السودانوية .
عبدالمنعم عبدالحي كتب اغنية اخرى لسيد خليفة بذات البساطة التي اختصت طرق النظم العربية و المصرية تحديدا ، قدم شكلا سودانيا مرحا و نافذا ، تالق هذا الدينكاوي العملاق في تقديم الروح السودانية البشوشة في ذلك القالب ، يقول ازيكم كيفنكم، التي تنسبها الروايات له و الارجح انها للشاعر الكبير اسماعيل حسن .
قد ينطبع لدى المتابع ان عبدالمنعم عبدالحي يكتب فقط هذه اللونية الجميلة التي تكرر فيها المفردة الايقاع ثم المعنى ثم الصورة فيوفر للملحن مساحة يسيرة في تسليك اللحن مسالك الشعر ، اذا انطبع ذلك ، تراه يكتب لسيد خليفة الاغنية الفصيحة (من انت يا حلم الصبا):
من انت يا حلم الصبا من انت يا امل الشباب
من انت يا من رحت انشده و لكن لا اجاب
ارنو لصورتك الحبيبة بين اطياف الضباب
فى الارض فى الانهار فى الشفق المنور فى السحاب
من انت يا حلم الصبا من انت يا امل الشباب
و احسها فى خاطرى نور تدفق فى انسياب
بالسحر بالامال بالانغام بالعطر المذاب
بالورد بالأزهار بالكأس المتوج بالحباب
من انت ياا حلم الصبا من انت ياا امل الشباب
و أكاد أسمع في دمي صوت تضمخ من شذاه
حتى متى أبقى على الدرب الطويل و لا أراه
من وحي أوهامي خلقتك رغم آلام الحياه
يا صورة الحلم الذي قد شع في قلبي سناه
يا ومضة الأمل الذي قد عشت عمري في رجاه
شفتاك من ورق الورود و آه من تلك الشفاه
خداك من شفق المغيب و آه من خديك آه
و عيناك يكمن فيهما ليل تسربل من دجاه
من انت ياا حلم الصبا من انت ؟! ياا امل الشباب
إلى متى أدعوك لهفان الجناح
حتي متي ابقي علي الدرب الطويل بلا مراح
أبدا اسير مخيرا بين الروابي و البطاح
و يكاد يحرقني الظمأ و تكاد تسحقني الرياح
من انت ؟! يا نفح المنى من انت ؟! يا نور الصباح ؟
اذا تاملت فاعلم ان هذه من النصوص الفصيحة ذات الحيوية و الحركية التي ميزت سيد خليفة، قد كتبها عبدالمنعم عبدالحي بغنائيتها الكامنة، التي تتراقص بين المفردات ، عبدالمنعم عبدالحي كتب ايضا لسيد خليفة (المني حنان) وهي من كلاسيكيات الغناء السوداني الحبيبة لمتذوقي التغني الحزين ، اراه فيما ارى من اجمل ما تغنى بها ابو السيد يقول عبدالمنعم عبدالحي:
يوم قسموك يا هم كتبو عليك اسمي
لو رووك بالدم يا هم رروك دمي
انا لو رضيت بالهم ما برضى بي همي
حباني يا اهلي يا من تعزوني
في الدنيا خاب املي في حظي عَزوني
انا لو يحين اجلي ما تبكو هنوني الخ
بلحن متناه في الانسياب، غارق في الشجن، شفيف النقر على الشغاف الحزينة يصدح بها سيد خليفة فيهب الناس متعة و تاسيا يفرغ الالم تأسيا يمشي في الاعصاب بالراحة المرتجاة.
اما و قد علمت ذلك، فاعلم يا صاحبي /تي ان عبدالمنعم عبدالحي كتب لسيد خليفة (بانة) و (كفاك صدود) و (ارض الكنانة) و (حبيبي يا ساكن البوادي) التي يقول فيها:
حبيبي يا ساكن البوادي
وشلت النوم من عيني انا كيف رقادي
حبيبي زهر الاقاحي حبيبي يا النايم و صاحي
يالشايل النوم من عيني و مكتر سهادي
انا كيف رقادي
و شلت النوم من عيني انا كيف رقادي
اذا انتبهت ان عبدالحي التزم المفردة السودانية كمثل شايل النوم و كيف رقادي في هذا النص و في نصوص اخرى فاعلم عزيزي/تي انه عاش معظم عمره البهي بمصر ، كتب جل انتاجه الابداعي هناك ، في مزاملة الحياة مع سيد خليفة و محمد الحويج و اسماعيل عبد المعين مفترع (الزنجران ) في الموسيقى السودانية ، معهم ادريس جماع الشاعر الالمعي الذي هدانا للخطا عندما ذكرناه بانه صاحب الاغنية الشجية (ابني عشك يا قماري قشة قشة) اما وقد علمت خطانا ذلك فاعلم يا هداك الله ان ابني عشك يا قماري نوارة اغنيات سيد خليفة هي ايضا من النظم العبقري لعبدالمنعم عبدالحي يا قماري:
أبني عشك يا قماري قشة قشة
و علمينا كيف على الحب.دارنا ينشا
رغم العواصف برضو واقف ما ليهو رعشه
علمينا يا قماري سر المحنة
و كيف بتبني ياقماري من قشة جنه
و كيف تخلي الحب دوام فوق المظنة
و كيف نهلنا على مهلنا حبنا الما فيهو غشه
علمينا يا قماري سر الأغاني
أهي نجوى أم دعاء أم أماني
أم نداء لي أليف ليس داني
أم حنين ودعابة أم صلاة مستجابة
أم تزيلي بيها وحشه
يا قماري هل طال يوما.بيك سهادك
و حبيبك هل غاب يوماً عن ميعادك
هل قضيتي الليل ساهرة و دموع خديك ظاهره
و ضياء عينيك أعشى.
ابني عشك ياقماري قشه قشه
هي الاغنية الاثيرة التي اتحفت يها الناس السودانيين الفنانة الجميلة حنان النيل في زمن لاحق ، هناك الكثير المثير عن ثنائية سيد خليفة و عبدالمنعم عبد الحي نودع مملكتهما بالاغنية الخفيفة اللطيفة التي كتبها عبدالمنعم و هي اغنيات علائق المبدعين حيث كتبت في صغيرة كانت ترفل في مجالس هؤلاء الملهمين الذين يتفجرون رقة و ينضحون فيدلقون عسيلها في وجدان الناس السودانيين يغني سيدخليفة :
وآحده بس وآحده، وآحده في قلبي
شاغلاني يا ربي، حنانه كاتلانا
باللجنة في لسانا ما ترُدي يا نانا
الشامة الفي خديدها خلقوها للريده
النونه بتصونا و التبري من لونا
و الفلجا في سنونا ، يا أخوانا هالكانا
ماشة تتنى شوفوها يا أهلنا
الريدها جننا سمارا ودرنا
مسختي سُكرنا ، كملتي مسختي
وين رآيحه فايتانا
زدتي البنات زينه، يوم جيتي يا حنينه
من دونن نورتي ، في قلوبنا إتحكرتي
قبلتي دورتي ، وين رآيحه فايتانا
ارخت الاغنية للحظة المسامرة و كتبت سيرة من سير المحبة و حافظت على روح سودانية عالية تعطي الجمال و تبادله ، هل بعد ان تسجل هذه الودودة اللطيفة الباهية في وجدان الناس السودانيين تنبري عمياء ٱفكة لتنفي جنوب السودان و ها ابن تلك البلاد ايضا يقول مع سيد خليفة :
يا اسمر قول سيب العزول
يقول يقول زي ما يقول
قوم يا عشوق جنا الملحوق
اسمر قول سيب العزول
يقول يقول زي ما يقول
قوم يا عشوق جنا الملحوق
الجدير بالذكر ان اولى اغنيات عبدالمنعم عبدالحي مع سيد خليفة هي اغنية بانة، التي تقول الرويات انها مستوحاة من الاحجية السودانية فاطنة السمحة :
يا بانة ما شفتي محبوبي
عيونو نعسانة ليونتو في فرعك
في مشيه يتنى كأنو من زرعك
كان شفتي يا بانة، في وصفو إنسانا
ده هو محبوبي
نترك سيد خليفة هنل ونخوض ادهاشا مبهرا لثنائيات عبدالمتعم عبدالحي الدينكاوي مع المغنين الرواد الاخرين الذين منهم ابراهيم الكاشف و حسن عطية ، فاذا كنت ممن تعلمون ان ابراهيم الكاشف هو حادي المغنين تاسرك الحانه و اختياراته المطربة ثم تغني معه (انا افريقي انا سوداني) تستمتع باكتشاف نفسك من تحت الغبار الثقيل الجاثم على روحك من اثر المتنطعين فاعلم يا عزيزي/تي ان عبدالمنعم عبدالحي هو الذي كتب له اغنيته الحبيبة (اسمر جميل) التي يقول فيها:
اسمر جميل عاجبني لونو و كحل سواد الليل عيونو
عالي النخيل ماضقنا تمرو اسمر جميل ما حَنّ عمرو
جسمي العليل استحلى جمرو شرع الغرام طايع لامرو
اسمر جميل بادي الوسامة زانت جمال خدو ابتسامة
فوق الخدود عاجباني شامة من العيون يالله السلامة
اسمر جميل فتان بريدو كل الخلوق تتمنى ريدو
فن الدلال ياناس بجيدو عقد القلوب منضوم في جيدو
نلاحظ ايضا التزامه المفردة السودانية (ما حن) (بريدو) (الخلوق ) الخ ، (الريدة ) طبعا سودانية ساطع لونها يسر السودانيين، الاغنية اخذت شهرة اضافية بعد ان اخذ الفنان عبدالكريم الكابلي في ترديدها حتى اشتهر بها ، من اقدار الله ان مغنية عربية سورية تدعى زينا افتيموس تغنت بهذه الرائعة في برنامج استار اكاديمي باداء باهر و سلس غاية في التطريب ، فانبهرت الاوساط بهذا اللحن العجيب ، انبهروا بالكلام الرهيب و ما بينهما من ابداع ثم اندهشنا ، اكتشفنا ، ان السلم الخماسي المفترى عليه بترف المتطلعين الى الفلاة يمكن ان ياخذ بالالباب ، ممكن ان يذهب بمتعة الغناء و الاستماع إلى المذاهب المدهشة.
اذا كنت كذلك في عالم الكاشف بين السحاب ترشف من البخت فاعلم ياهداك الله ان عبدالمنعم عبدالحي قد كتب له ايضا : فراق حبي المولع ناري/ حرق قلبي و زاد احساري ، اشتهرت بها احدى المغنيات مؤخرا لا اذكر اسمها الان نتركك تسرح قليلا مع مفردة (حِبي).
ندخل عوالم عبدالمنعم عبدالحي مع حسن عطية فاذا كنت ممن تهمهمون بالغناء، تدندنون بالشجو عميقا ، تهدهدون مشاعركم باللحن المدل ، فاعلم ان عبدالمنعم عبدالحي قد كتب للفنان حسن عطية اغنية :
سهران الليل بناجي القمرة
طيفو حل،نوم عينو قل، حبيبنا يزورنا مرة
سالت الله، احب اشوفو، يزورني طيفو
لكن ظروفو ، ابت تجمعنا مرة الخ
هذه ايضا من اغنيات التركيب التي مرت ذكرها في المامبو ولها قصة تتمثل في ايجابية الفنان وافقه وتاثيره ومعرفته بمتراكبات مجتمعه فهي اصلا اغنية بنات ذلك الزمان كانت تقول (ياصباحي الغزال الفي الضواحي الخ)وكان لا يمكن التغني بها في الاذاعة وحتى لا يندثر اللحن سال حسن عطية الاستاذ عبدالمنعم ليكتب على اللحن شعرا حتى يتسنى له غناءها في الاذاعة ففعل عبدالمنعم فكانت هذه النجيبةوقد تغنى بها مؤخرا الفنان مصطفى السني الذي يغني جميلا لابو داوود..وكذلك عاطف السماني..وهي اجمل بصوت الحوت محمود عبدالعزيز..
اما و قد علمت فلا بأس ان تندهش ان النهر المتدفق من الشعر الجميل عبدالمنعم عبدالحي الدينكاوي هو الذي كتب لحسن عطية:
النيل الفاض وامتلا الموج الهاج لك علا
الدهب الماليك غلا حبيبي كملتا الحلا
حبيبي يا توم الحمام حقيقة إنتا أم منام؟
سلام على حسنك سلام سلام لصانع الغـرام
حبيبي يابانة ابتميل مع النسايم و الخميل
تعالا محبوبي الجميل تعالا شوف مضناك عليل
التي اشتهر بها ابو داوود ايضا ربما للايقاع الذي يتوافق و اسلوب ابوداوود في الغناء ، سناتي على اغنيات عبدالمنعم عبدالحي مع ابوداوود لاحقا ، تغنت نجمتا اغاني و اغاني صباح و منار مؤخرا بهذه الاغنية ايضا.
عبدالمنعم عبدالحي هو الذي كتب لحسن عطية روائعه التي تمشي بين المتذوقة بالطرب الثميل مثل: يوم شفت القطار شالو سافر قلبو قبالو،
قصص القطارات مع العشاق في الغناء في السودان مبحث اخر.
لعبدالمنعم مع حسن عطية ايضا اغنية (اقيف يا زمن خلي السعادة تطول) ، طلب الشعراء و المغنين في بلادي للزمن ان يقف فيه كثير شجن وعميق انتماء للحظات التي تجمع الاحبة في بلادي كما فعل ابراهيم الرشيد و ابراهيم عوض (يا زمن وقف شوية) واخرون ، ذلك كلام آخر يطول. اما و قد علمت فاعلم ان عبدالمنعم عبدالحي كتب لحسن عطية (عيوني عشقو السهر) و (ننو) و اخريات غير مسموعة كثيرا.
اذا كنت ممن تحبون محمود عبدالعزيز و هو يتغنى بالعود يشجي بلابل الطير و الانس ، يجعلك الكابلي تمشي فوق الماء حافيا ثم تغرق او لا تغرق، او انت من الذين تبلغ بك حنان النيل حين تشدو سماءا يساءلك اين لك بالاجنحة حين تغني اغنية حسن عطية:
الحجل بالرجل ياحبيب سوقني معاك
الليلة العزول جاب لي خبر بالسو
نسام البحر قلب الخبر باللو
قال لي دام هواك يا حبيبي مهما تسو*
فاعلم يا اعزك الله انك امام كلمات ناضرات و مفردات باهرات من نظم عبقري لشاعر دينكاوي يدعى عبدالمنعم عبدالحي*(هناك رواية راجحة تقول ان اغنية الحجل بالرجل هي اشعار حميدة ابوعشر الشاعر الجميل و ذلك لا يقدح في ابداعهما ) .
هل اكتفى عبدالمنعم عبدالحي بترقيق اغنية حسن عطية لم يكتفي فقد ذهب بابداعه الى ممالك عثمان الشفيع و عثمان حسين، ربما لا تعرف القيادية الهارفة بما لا تعرف ان هنا يلتقي الجعلي بالشايقي بالدينكاوي ، يعلم الكثيرين ان الفنان عثمان الشفيع (شندي) قد ارتبط بالشاعر محمد عوض الكريم القرشي (الابيض) في مسيرتهما الفنية الطروبة فكتب ود القرشي للشفيع (اربابه) السبعة (رب الفن ورب السعادة و رب الدلال و رب المحاسن و رب الجمال و رب الشعور و رب الوداعة) حتى لقب عثمان الشفيع بفنان الارباب السبعة. ، اما و قد علمت فاعلم ان من اجمل ما تغنى بها عثمان الشفيع كان من النظم العبقري للشاعر عبدالمنعم عبدالحي ، لعل الكثيرين من متذوقي الغناء و متابعي مكتباته لا يعلمون ان الاغنية الشجية الاثيرة التي تصدح بها بالصوت الملائكي حنان النيل في البوم فارع الاجادة بارع الطرب برفقة عوض احمودي عازف العود الامهر ، التي تقول فيها :
ذاك الصباح اهو لاح يا حبيب
و البلبل الصداح جاك يا قريب
جاك يحكي ليك جاك يشكي ليك
من شوقو ليك صاح يا حبيب
جاتك طيور تحمل زهور فوق الندى
جاتك تزور حاديها نور فى الكون بدا
و الفجر لاح يعلن صباح
و الطير شدا
جاك يحكي ليك جاك يشكي ليك
من شوقو ليك صاح يا حبيب
الكون جميل و نسيم عليل
فى خفه ساير
و من الخميل اصوات هديل
تحمل بشاير
و حديث طويل من فم خليل
فى همس داير
جاك يحكي ليك جاك يشكي ليك
من شوقو ليك صاح ياحبيب
هذه اغنية تهب الانجذاب المريح و تحلق بالانسان في دنياوات الطرب التي في الماوراء ، هي رائعة عثمان الشفيع، فاذا علمت فاعلم انها من الاشعار المجيدة الخالدة التي من نظم عبدالمنعم عبدالحي العبقري.
و ان كنت في ماوراءك ذاك و هممت بافلاك الغناء فضاء الصوت الرحب ، سماء المواويل ، مجرات الاهازيج ، منتهى الترانيم ، مصطفى سيد احمد ماسورا ماثورا تسمعه يغني:
ايامنا في الفواد ذكراها ايامنا حبي كيف ننساها
ايامنا و ما نحن لسواها ايامنا وللممات نطراها
يا النسيت ايامنا ايامنا حققنا فيها غرامنا ايامنا
ايامنا في الفواد الجوه ايامنا كنا دايما سوا
ايامنا يا ام جبينا ضوا ايامنا يا النسيت الخوا
يا النسيت ايامنا ايامنا ايامنا في الجزيره العايمه
ايامنا و الليالي الحالمه ايامنا و العوازل نايمه
ايامنا و المحبه الدايمه يا لنسيت ايامنا ايامنا
حققنا فيها غرامنا ايامنا يا النسيت يا حليلا
ايامنا دي الجميلا جميلا ايامنا طول نهارا وليلا
ايامنا وكم مشيت لي قيلا يا النسيت ايامنا ايامنا
حققنا فيها غرامنا
فاذا علمت انها لعثمان الشفيع فاعلم انها ايضا من اشعار شاعرنا عبدالمنعم عبدالحي بن الجنوب الذي لم يكن يوما جزءا من البلاد بحسب الجهل المريع الذي استشرى باخر الزمان الذي لا يعرف كيف يكون حضور الجزء العزيز من الوطن .
فاذا كنت ممن تشنف اذنيك بالصوت الندي لعمار السنوسي المغني الجميل الذي لفته الغربة تسمعه يسري باللحن في عصبك:
أنساني و أنا أنساك
والحلوة القضيتا معاك تصير مرّة
ونتقاسم مرار البين أنا و يّأك
حبيبي الدنيا يوم بتروح لا بدوم لا فرح لا نوح
ونحن اليوم ورود بتفوح
غداً نصبح حطام احلام و تزرونا الرياح في الدوح
فليه قلبك تزيدو جروح
حبيبي يا الظالم المظلوم حبيبي يا الحالم المهموم
افيق و اترك عزيز النوم واحلام تائهة في دنياك
هناك لو دام سحابة يوم
حبيبي الدنيا ما بتدوم
حبيبي الما جفاك نضار و ما أضنت رؤاك أشواق
و ما فجعت هواك أيام و ما كحلت سهاد عيناك
شربت من المودة دوام
و من كأس السلامة سلام
خلاص أنساني وأنا أنساك نتقاسم مرار البين أنا و ياك
فاذا علمت انها رائعة عثمان الشفيع فاعلم اعزك الله انها جادة قريحة الشاعر عبدالمنعم عبدالحي المبدعة ، لم يكتفي عبدالمنعم عبدالحي بتلك الاغنيات الجميلة للشفيع فقد كتب ايضا الاغنية ذات اللحن البهي الذي وقعه الموسيقار برعي محمد دفع الله (اسمر يا سميري)و تغني بها الشفيع جزيلا.
لو كنت ممن تعشق (النهر الثالث) عثمان حسين محمد توم المغني السوداني الذي تميز في المقدمات الموسيقية الباهرة فلا باس ان تعلم ان عبدالمنعم عبدالحي كان منفردا و سلطان زمانه في التقاءه مع عثمان حسين ، في احد مجالسه طلب ابو عفان من عبدالمنعم عبدالحي ان يكتب شعرا على لحن كان يدندن به فكانت ميلاد اغنية (ناس لا لا)
يا ناس لا لا ناس لا لا ناس لا ناس لا لا
خلو اللا واللا لا في حالا
خلو الما خطر زول على بالا
بكرة الدنيا جايالا جايالا
سهران و حيران و ما نايم
ولهان و هيمان انا الصايم
السمار النجوم
طول الليل ما بنوم
من النوح والهموم
من ناس لا لا هجران ناس لا لا ألخ
و هي من اغنيات التركيب التي برع فيها عبدالمنعم عبدالحي ، اداها عثمان حسين بلحن رشيق على ايقاع السيرة المحببة ، هي بحق كلمات جاذبة يحبها الشباب لانها تلمس جزءا من شقاوتهم و شيئا من مغامراتهم و بعض رغباتهم و عزيز مشاعرهم. تغنى عثمان حسين لشاعرنا (ليالي المصير) و هناك رواية عن انها لبازرعة و قد اكد صديقنا الاستاذ الامين عباس ركاب انها لعبدالمنعم عبدالحي و مكتوبة عندما كان الشاعر الكبير في جوبا ربما نعود الى ايام الشاعر في جوبا :
يا ليالي المصير قولي لخلنا
أوراق الخريف سارت حولنا
يا ليالي الرجاء عودي علنا
إن لاح الضياء يبدو ظلنا
في عرض السماء و في دنيا المنى
يا ليالي الأمل قولي لخلنا
البدر اكتمل والدنيا سنا
لا الجرح اندمل لا عطفك دنا
هناك إنت و أنا هاهنا
يا ليالي المنى هل ما فات عاد
هل أحبابنا علي عهد الوداد
هل إنت و أنا كلنا في السهاد
سواء كلنا
اما و قد ، فلا باس ان تعلم ان لعبد المنعم عبدالحي مسيرة ظافرة من نجاح الاغنيات التي تتحفنا بها قريحته المبدعة مع عميد الغناء الاستاذ احمد المصطفى كنا قد ذكرنا في مفتتح هذا المقال التقاءهما في :
انا امدرمان تامل في نجوعي
انا السودان تمثل في ربوعي
انا ابن الشمال سكنتو قلبي
على ابن الجنوب ضميت ضلوعي
الاغنية تتحدث عن نفسها معنا تتحدث لحنا و تتجلي اداءا ، فاذا اضفت اليها لطافة الحضور البهي للعميد فقد وضعت يدك على ايقونة سودانية تفضح كثير من الاعتداد الزائف الذي يهرف به بعض الجهاليل في البلاد الكبيرة .
التقى العميد مع عبدالمنعم عبدالحي في رائعة اخري تمثل نوارة الكلاسيكيات السودانية التي علقت بالاذن السودانية وةشكلت وجدان اطياف السودانيين، التي يقول عنها شاعرنا في واحدة من الاستضافات النادرة بالاذاعة السودانية انه استلهمها من لعبة للاطفال :
فارق لاتلم أنا أهوى الألم
ما أول حبيب و لا آخر ظلم
بعشق فيك عفاف و أبعد لا تخاف
إن طال المطاف تحين للقاك ظروف
ألقاك و انسجم و اسكب دمعي دم
حبّك لي جسارة و حبي ليك قسم
غداً أنا أسعى ليك أحنّ و أسأل عليك
حبيبي أراك سليت قليبي الصار لديك
حلفتك عليك قسم تفارق لا تلم
هجرك لي هلكني و قربك فيهو سم
جميل قاطع جمال لكن مانع الوصال
حليل القلبو مال و هام في خيال خيال
و جرحو الما إلتئم و هم صار ليهو هم
منعت علي دواك و كم صارعت كم
يا اقدار الله من هذه العجيبة التصويرية البسيطة الممتنعة، كلمة كلمة ، نبض نبض ، شهقة شهقة ، و زفرة هميمة حميمة.
تغنى العميد ايضا باخرى لطيفة يتجلى فيها مما وهبه عبدالمنعم عبدالحي مساحة الطلاقة و فضاء الطلاوة و مضمار الانطلاق الشيق :
ياناسينا إلاما البين إلاما
متين الموج يرسّينا على برالسلامة يا ناسينا
و كيف الشوق يطرّيك الخوالي
ليالينا المضت يا ريت تعود لينا الليالي
و كيف تنسانا و انت الما نسيناك
و تسلونا و تجفونا و حبّك إنتا دنيانا و دنياك
يا ناسينا و زاد الهمّ مباكينا بذكراك
و نحن الكم ذكرناك و طريناك
و انت بعيد سعيد بي قلبك القاسي
و قلبي وحيد شقيت بين كاسي وين ناسي
ناس في المرّة جافونا
هي اغنية رشيقة و لطيفة تهب الروح السلوى فاذا كانت كذلك فعبدالمنعم عبدالحي التقى ايضا بالعميد في (بل شوقي زاد الالم) المغناة على منوال احمد المصطفى البشوش الذي يقطر الحزن من القلب الى اللحن الى التفريغ الذي يجعل الشحن رفيقا و انيسا، اضافة الى اكثر من اغنية اخرى من القريحة المبدعة للشاعر الكبير مع العميد كمثل (فتنتني) التي تعد من روائع الغناء الفصيح مما جعل الاستاذ الاذاعي عمر الجزلي يقدمها صوتيا في اكثر التسجيلات المبذولة :
فتنتني إن في عينيك آيات الغرام
و بكفيك كؤوس من حلال و حرام
اشعلها يوم ان ألقاك في المهجة نارا
و ارسلي البسمة تحكي في دياجينا النهارا
و دعيني الثم الثغر و خديك مرارا
أشرعي عينيك في عيني نجوي لاسهام
لأري الفتنة في عينيك يقظي لاتنام
داعب الخد نسيم الصبح يكسوه احمرارا
ثم ماد القد و الخصر تناهي و استدارا
و تحدي الثوب فوق الصدر نهد قد توارى
فتنتي و الشعر براق علي غير إنتظام
فارسلي طيفك يمحو النوم من عين النيام
يا اقدار الله فاذا كان هذا هو شاعرنا الالمعي البارع الذي وهب الوجدان السوداني كل هذا الذي تقدم من ابداع و عبقرية فاننا لم ننتهي بعد ، له مع عبدالعزيز محمد داوود و عبيد الطيب صولات من البهاء و الالق ناتيهم نسد بهم الذاكرة المثقوبة.
يا له من دينكاوي هذا العبدالمنعم العبدالحي من منكم/ن سمع قريبا او يتذكر مغنيا من الرواد اسمه عبيد الطيب، المغني الذي حمل عاتقه توقيع اغنيات الحقيبة بالشكل الاوركسترالي الذي اصبحت عليه الاغنيات الان فاذا كنت من الذين يطربهم الشكل اللحني الاني لاغنية (يجلي النظر يا صاحي) او كنت من المستمتعين ب(سيدة و جمالا فريد) فاعلم ان الفضل يعود في ذلك لعبيد الطيب، قد لا يتذكر الكثيرين حين يترنمون في حلهم و ترحالهم يراوغون اطياف الاحبة بالاغنيات وويترنمون :
يا روحي سلام عليك سلام بردّو ليك
يا روحي سلام عليك
سلام يوصل إليك يرجع إلينا
و تحس من شوقنا ليك بعض العلينا
سلام يرجع بعيد بين السكينة
سلام و أكون سعيد سلام بردو إليك
يا روحي سلام عليك
سلام يحمل مُناي يحمل محبّة
أنا الحار في دواي حُكماء و أطبّاء
سلام لو من بعيد يسعدني حبّة
سلام و أكون سعيد سلام بردو إليك
يا روحي سلام عليك
سلام يحمل كلام ضمّنتو حُبّى
سلام يحمل كلام علاّمُو ربّى
سلام حار فيهُ ريد من جوّه قلبى
سلام وحُب شديد سلام بردّو إليك
يا روحي سلام عليك
هي الاغنية ذات اللحن الملئ بالشجن على مستوى مفرداتها الرقيقة المترواحة بين السلام و الروح و رد السلام ، الممراحة على مستوى اللحن التعبيري الجميل الذي يعمق الشعور الانساني بالمعاني و يحلق بالانسان في انسانيته ، الاغنية للفنان عبيد الطيب الذي لفه النسيان وعتم على سيرته قصور الاداء الاعلامي المحابي الغارق في السطحية فاذا علمت فاعلم ان شاعرها هو الشاعر الرائد في الغناء الحديث عبدالمنعم عبدالحي ، فاذا كان ذكرهما بعد كل هذا ياتي على استحياء فاعلم ان تحت الاكمة ما تحتها، و ان كنت ممن تحبون اغاني الرحلات كمثل :
يا ساير
و الدنيا جارية وراك
وقف وقف و سوقني معاك
وقف وقف الخ
فاعلم انها ايضا لعبيد الطيب الفنان صاحب الذكر الضئيل اما و قد علمت فهي ايضا من النظم الجميل لعبدالمنعم عبدالحي، ثم اعلم ان الجحود السوداني شئ خارق يستمتع على( الطبطاب) و يستكثر مجرد ذكر الواهبين للمتعة بالخير.
انظر ياهداك الى مغنيا آخر اسمه محمد الحويج هل تذكرونه ، فاذكروه معي محمد الحويج، المغني الجبار الذي لفه النسيان و جارت عليه اللامبالاة السودانية الى ان مات بمرض عضال ، محمد الحويج ترك السودان وافدا مصرا في رفقة سيد خليفة ليدرسا في الازهر الشريف فاذا هما هناك يختاران دراسة الموسيقي ثم يقتحمان عالم الغناء، ثم يعود محمد الحويج الى السودان ليكون ثنائيا مع عثمان حسين ثم من بعد ذلك يؤسس ثلاثي العاصمة (ابراهيم ابودية و السني الضوي و محمد الحويج) الثلاثي الذي اصبح ثنائي العاصمة بعد وفاته، اما و قد علمت فاعلم ان عبدالمنعم عبدالحي هو الذي كتب معظم اغنياته منفردا و هم اكثر من دستة اغنيات اشهرها:
مين احلى من حبيبي مين :
مين احلى من حبيبتي مين؟ هيّ احلاهن
و ضامره زي نحله عيونها مالياهن
والعيون كحله ماها كاحلاهن
تشبه الريله سارحه في الوديان
و الهوا يميلا زي فريع البان
و الخدود ديلا حبة الرمان
في ضحىً ضاحي كم سرح انسان
و الفكر صاحي والطريف نعسان
غني يا صاح قول كمان و كمان
النجوم طالعه هيّ اعلاهن
و قامتا الفارعه فوق بتعلاهن
و الخدود والعه حُمره شاغلاني
مين احلى من حبيبتي مين
من اشعار عبدالمنعم عبدالحي مع محمد الحويج ايضا الاغنيات (راحت ليالي النوى) و (على ربا امدرمان ) من ضمن اخريات .
عبدالمنعم عبدالحي لا اظنه ، و بعض الظن ليس إثما ، انه قد ترك مغنيا من الرواد الا و كتب له نوارة اغنياته فقد التقى بالفنان التاج مصطفى في :
يانسيم قول للازاهر نامت الناس وانا ساهر
قلبي ذاب للكلموني الحبايب ظلموني
ليتهم لو انصفوني في منامي يحلّموني
كل إنسان بي حبيبو إلا قلبي زاد لهيبو
إنت عارف ايه يصيبو هل يصح ترجع تسيبو
النجوم راح ليلا ولى و الصباح عاد و استهل
شلتوا نومي صبري قلّ زورني مره في المحلّ
يا حبايب يا خي الليله رؤيه ناعسه وكحيله
السعاده يا حليله و اشكر ام در الجميله
للسمار وهبت حبي و الخضار سلبني قلبي
و الصفار دائي وطبي ليتهم لو كانوا قربي
الغرام ده هو هو من زمن آدم وحوه
السكن في قلبي جوه اعرفوه مين ده هو
له مع التاج مصطفى مجموعة اخرى رائعة منها ، يا عيني يا ساهرة ، و نعيش سوا ، التقى عبدالمنعم عبدالحي ايضا مع (فنان الجزيرة) عبدالحميد يوسف صاحب (حنتوب الجميلة) في رائعته (اهوى الدنيا) و الارجح ان الاغنية للفنان الرائد الخير عثمان لكن المؤكد انها من كلمات عبدالمنعم عبدالحي ، التقى عبدالمنعم عبدالحي ايضا ، انا هنا اتعمد ذكر اسمه ، التقى مع عبدالدافع عثمان صاحب( البحيرة) و (مرت الايام) في الاغنية الاثيرة : هبت نسايم الليل في حبك ياحليل
اذا كنت ممن يتتبع ابناء ود مدني المبدعين فقطعا لن يخطئك الوقوف عند الفنان الجميل الانيق صاحب الصوت الدافئ محمد مسكين الشهير بابوسريع صاحب ( ارض المحنة) و ( وين انتو يا ناس انتو) و (زول اب عيون كحيلة ) فان اجمل اجمل اغنيات محمد مسكين كتبها عبدالمنعم عبدالحي و هي الاغنية الاثيرة يا سهارا :
يا سهارى تعالوا شوفوا البيّ الحبيبة كيف قست عليّ
الحبيبة شوقنا جننّي و الحنينة شوقا حننّي
و الصدود الديمة حيّرني يا زمان يلا صبّرني
الحبيبة يا أخت الظبيّ في الجمال مافي ليكي خيّ
و العيون الهلكتني حيّ يا زمان وينا هيّ اللّي
يا نجيماً لاح في السما هايماً في قلبي دائماً
يا وسيماً أنت إنّما في خيالي ديمة ساهما
حتى لا ننسى فان اروع ما كتب عبد المنعم عبدالحي في ام درمان سكب فيها عصارة التعبير وصفوة تماهي المشاعر الصادقة و مجراها مجرى الحزن و ، الفقد ، مسرى الشوق و الشجن و كنت ممن تحبون الهرولة بالغناء هرولة المجاذيب تهمي ثم تهمي كما يفعل حمد الريح عندما يغني فا علم/ييا صاحبي/تي ان اغنية (نار البعد و الفرقة) التى طالما ابدع بها الفنان حمد الريح هي من النظم العبقري لعبدالمنعم عبدالحي التي يقول فيها:
آهة بتطلع بدمع العين و زفرة بتحرق انفاسي
ما آهة بتداوي فينا حنين و لا الزفرة بتجيب ناسي
بين اليقظة والاحلام اريت النوم يزورني اليوم
و انوم لو ليلة في كل عام
لو عبرة بتقيف غصة و لو انسان صبح قصة
انا القصة يا امدرمان بين اليقظة و الاحلام
يا سلااااااااام يا عبدالمنعم يا عبدالحي، نعم حبيبنا انت القصة المحكية للاجيال ، انت الرواية على صفحات الوجدان ، انت كل نصوص المداواة كل فصوص المعافاة ، (اهة بتحرق انفاسي) انظر البساطة العبقرية المعبرة التي تخرج كل محمول الاسي و الحزن ، صدقت، الانسان صبح قصة ، كيف لا.
لك الان ان تنظر الى قصته مع عبد العزيز محمد داوود.، عبد العزيز محمد داوود مسكا يميت بالعشق ، كما يفعل بي و بصديقي سامي عبدالرحمن الشاعر المغني الجوال، اما و قد ، فلا بأس ان تعرف ان عبد المنعم عبدالحي اشاد ايضا صرح المتعة في الغناء اللطيف للفنان عبدالعزيز محمد داؤود ، فاذا كنت ممن تعلمون ارتباط الاستاذ علي المك و حبه الكبير لابي داؤود فاعلم ان من اسباب ذلك انه تغنى من كلمات عبدالمنعم عبدالحي:
يا حليلم الدوام بطراهم
في قلبي ذكراهم انا بريدم
الى ان يقول:
ياحليل ناس حفظو المحبة
ديل كانو احبة الفؤاد الليهم حبّ
كان جريح و كانو اطبا
انا بريدهم ديارهم وين
فاذا كنت يا هداك الله من المغرمين الثاملين بصوت ابو داؤود ، مغرم بتلك التلاوين الشجية من صوته المرحاب ، التلاوين التي تذهب بالالحان مبالغا من الطرب رهيبة، الى مدن الارواح الصادحة التي يهبها طبقات صوت ابو داؤود الرحيبة، فاعلم يا صاحبي/تي انه تغنى ايضا لعبدالمنعم عبدالحي بالرائعة الفصيحة (لحن العذارى) و هي من كلاسيكيات الفصحى السودانية الشجية الاثيرة لدى متذوقي الغناء بالفصيح ، يقول عبدالمنعم عبدالحي و يشدو ابو داوود:
يا نديما عن كاس الصبا
و مغني يمشي الهوينا طربا طربا
بت اشكو لنجم في الليالي لمعا
و لغيم عندما رق لحالي دّمعا
و لطل فوق زهر كاللآلي جمعا
و نديمي عب من كاس الصبا و سقاني
ثم عاف الكاس عاف المعلبا و جفاني
حتى لا تتشابه عليك اللآلي يا حبيبنا /تنا فهي ليست ( عذارى الحي) لاسماعيل حسن ، تغنى ابوداؤود من كلمات عبدالمنعم عبدالحي ايضا (ابتسمي لو تسمحي).
اما و قد فلا بأس يا اعزك الله ان ترشف من رحيق الاغاني شهدا، تستأذن خلق الله بالانجذاب ، تتكور في الطرب و تستقيم ، اسمع يا هداك الله ابو داؤودا و هو يغني من كلمات عبدالمنعم عبدالحي بالاغنية الشهيرة التي اسرت الناس و اكملت اعجاب المغنين المزاملين لابوداؤود و اللاحقين :
لوموهو اللاهي بالغرام بالله
قولو ليهو الحب شي طبيعي الاهي
الغرام مابخير بين صغير وكِبير
من زمان الحب امرو فينا مخير
يا جميل يا نضير خلي هجرك غير
بكرة يكفي الحب عمرو فينا قصير
الى ان يقول :
نادو لينا البنا.يبنا لينا الجنة
يبني طوب حب و يرمي مونة محنة
بالكتاب والسنة يعقدو لينا اهلنا
انتصر يا حب انحن نلنا املنا
سيرو بينا لنيلنا.مرسى لينا عديلنا
فوق جناح الحب.الملايكة تشيلنا
الاغنية طويلة (بالله شوفو جنس ده غنا) و شوفو التزام هذا الدينكاوي العجيب الروح السودانية عندما نقول في العادي( بالله) ، استلهامه صورة الاعتياد في بيوت الزمان الرخي يستنفرون ل (طوب الحب) و (مونة محنة) الى ان يقول : نحن ناس الحب الله ما بنسانا
يالله و يا الله ، اي صرح من الطرب عمارة الدهشة و العبقريه اشادها عبدالمنعم عبدالحي ، اي مبلغ من مبالغ الطرب يوصل الناس الرائع ابو داؤود.
هل ننسى ان عبدالمنعم عبدالحي كتب للفنان الذري ابراهيم عوض جمال دنيانا :
يا جمال دنيانا يا جمالا الحبيب معانا يا جمالا
المحبة شديدة يا اهلنا و الغرام و الريده و املنا
الحبيبة سعيدة بلبلة و غريد و تتمنى
المجال طال بينا وسهرنا يا عمر طول بينا في عمرنا
يا نسيم يا نادي يا هادي لو غشيت الوادي استنى
يا جمال دنيانا يا جمالا و الحبيب معانا يا جمالا
لم نتمكن من رصد اغنياته مع عبدالكريم الكابلي و احمد الجابري فتأمل من من رواد الغناء في بلادي لم يتغني بشعر من نظم عبدالمنعم عبدالحي، بل من المغنين المؤسسين هؤلاء لم يشد صرح شهرته كلمات عبدالمنعم عبدالحي.
نحن حين نتحدث عن هذا العملاق الهرم الاسطوري لا نتقول عليه من باب ترف المثقفين حين يتحدثون عن نماذج الاندماج الاجتماعي والثقافي، هو لم يقل ذلك ، لكنا نراه كذلك ، فاذا كان انتاجه الابداعي التاريخي كما و كيفا و ما بينهما لا يكفي لاسكات الداعين للافتراق الماشين بين الناس بالكراهية ، الذين ينزعون الناس من منابتهم الى القواحل، اذا كان هذا كله لا يسكتهم ، فماذا بعد هذا يا هداك الله يسكتهم.
انها اللعنة التي احلت ببلادنا الكبيرة العملاقة التي تحكمها اقذام مع العذر من كواكب البدائية البعيدة.
عبدالمنعم عبدالحي ابن امدرمان تشرب روحها و تنسم حواري الابداع فيها ، في العباسية الابتدائية و الاميرية المتوسطة، حيث اكتشف موهبته مبارك المغربي ، الموهبة التي تشربت الابداع في مجالس الفنان ابراهيم عبدالجليل (خايف تقولو بجيب الفنانين ديل من وين) المخضرم ، ثم وفد مصر حيث التحق هناك بالجيش ثم ترعرع في رفقة الابداع تصادق مع المغني المجيد سيد خليفة و الموسيقار المجيد اسماعيل عبدالمعين و مع الشاعر المجيد ادريس جماع ، لعل تلك الفترة هي التي انضجته ثم قدمته كعملاق ، مجدد لطريقة نظم الشعر الغنائي في السودان، ثم إنداح ، و اذا علمت انه تزوج من مصرية و انجبت له البنين و البنات، ثم اذا علمت انه افتدى مصر في حربيها النكسة والنصر بفلذتي كبده، تكتشف عظمة شاعرنا الكبير، مع العلم انه عاش معظم حياته المنتجة هذه بمصر و مات بها ، رفد المكتبة الغنائية السودانية بكل هذا الكلام الجميل محتفظا بالروح و المزاج و الشجن السوداني، احتفظ بوحدته، التي اصبحت بقدرة قادر افتراضية الآن، يا اقدار الله.
ان يكتب الدينكاوي كل هذا ، يلحن الدينكاوي ، يغني الشلكاوي و النويراوي و الزانداوي ، ان يفجر نيليو السودان ثورة السودان الاولى في عصرهم الحديث (1924)، ثم ينادي منهم في هذا الراهن البائس بالسودان الجديد ثم بعد ذلك كله نغالط في الوحدة، ننفي الناس عن انتماءاتهم ، ننشد التهاويم و التخاليط، فقط لاننا اختطفنا السلطة، اختطفنا القول، اختطفنا المنابر ، أكتب هنا بصيغة الجمع معتزرا.
إذا علمت كل ذلك اعزك الله فاعلم اننا قوم بلغنا من الجحود مبلغا عجبا ، بلغنا في النكران مذهبا يؤكد غفلتنا عن اساطين المشكلين لوجداننا ، ماذا فعلنا لهذا العملاق، ماذا فعلنا ل عبدالمنعم عبدالحي ، ماذا فعلنا وفاءا لمنجزه الابداعي العظيم ، لا صرح يحمل اسمه، و لا منارة ، يا كافي البلا.
عبدالمنعم عبدالحي يمثل وحدة التوارث الاساسية في جينة الوحدة (replicative) مهما تنطعنا بالاعتداد الزائف بمخرجات المآل المؤسف لمجريات الاحداث الاخيرة في بلادنا الكبيرة .
اللهم ارحم عبدالمنعم عبدالحي الدينكاوي..
اللهم آثرنا ولا تؤثر علينا يارب العالمين
يا اقدار الله و يا لجحود البلاد الجميلة و يا لرقة الشعراء والمغنين في بلادي.
اويل31/12/201
المصادر و الهوامش:
*علي عبدالطيف قائد اول ثورة سودانية ضد الاستعمار البريطاني ١٩٢٤ و مؤسس جمعية اللواء الابيض ينتمي الى قبيلتي النوبة و الدينكا و للمصادفة حين رحل بالقاهرة تم دفنه بمقابر عبدالعزيز عبدالحي الاخ لشاعرنا عبدالمنعم عبدالحي حيث كانا اقرباء و ضباطا في الجيش المصري بل و ان عبدالعزيز عبدالحي كان حينها مديرا لمديرية اسوان .
*تقول الروايات الرائجة ان عبدالمنعم عبدالحي ولد في ام درمان و لكن الارجح انه من مواليد مدينة واو بحي الجهادية بحسب افادة بن اخته السيد الرشيد ادم علي العضو البرلماني بجنوب السودان لصالح صفحة حجر واو التي يحررها الاستاذ منصور رزق الله الموثق لتاريخ مدينة واو .
*صورة تجمع اسرة الضباط بالجيش المصري عبدالعزيز عبدالحي و عبدالمتعم عبدالحي و والدهم عبدالحي ادريس لهم اخ ضابط ايضا هو الخير عبدالحي
*صورة للشاعر الكبير عبدالمنعم عبدالحي من مجموعة صور السودان القديمة ..
*صورة غلاف لمؤلف عن الشاعر عبدالمنعم عبدالحي للاستاذ فؤاد عمر
*صور لابن اخت الشاعر عبدالمنعم عبدالحي السيد الرشيد ادم العضو البرلماني بجنوب السودان
*صور كولاج للفنانين المغنين الرواد الذين تغنوا من اشعار عبدالمنعم عبدالحي (ابراهيم الكاشف حسن عطية احمد المصطفى عثمان الشفيع عبدالعزيز محمد داوود سيد خليفة التاج مصطفى الخير عثمان عبدالدافع عثمان عبيد الطيب محمد مسكين محمد الحويج حمد الريح ابراهيم عوض
*ورد في مقال للدكتور عبدالعزيز الفحل ان سبب غياب عبدالمنعم عبدالحي الطويل عن السودان هو مرافقته للصاغ صلاح سالم عضو مجلس الثورة المصري الى ملكال محرضا الدينكا على حكومة الازهري الاولى مما حوكم بالنفي و هو حديث مردود لأن الشاعر عمل بعواصم الجنوب الكبيرة في واو و ملكال و جوبا حيث كتب ليالي المصير لعثمان حسين و ملكال لم تكن حيث ثقل الدينكا. غير الشاعر كانت له زيارات للخرطوم بعد ذلك حيث قام بلقاءاته الاذاعية التوثيقة اخر الستينات و بداية السبعينات.
*تم تحقيق الاغنيات في كل من مكتبة الاغنية السودانية راكوبة الاغاني سودانيز اون لاين .
*المقال استعادي نشر في خمسة اجزاء و يعاد نشرها هنا مجتمعة بعد التصرف في تحقيق الاغنيات و بعض تنقيح و بعض المعلومات المضافة
قرنق توماس ضل
*من كتاب ، جحود البلاد الجميلة ، مقالات في الفن الادب و السياسة ، يصدر قريبا عن دار رفيقي ..