معادلة تتحكم في كل شي بعد الحرب
• حتى الأن لم تحقق أي هدنة معلنة منذ تفجر الحرب وقفا للتصعيد العسكري، انما استثمرت بشكل كامل لتحقيق تفوق عسكري، من قبل طرفي الحرب القوات المسلحة والدعم السريع، وكانت أشد خطرا على حياة الآف المدنيين، الذين اعتبروها فرصة لفك الاختناق الذي يحاصر حياتهم، ومواجهة الظروف الكارثية التي يواجهونها.
• الهدف الذي يسعى له طرفا القتال، هو تعديل موازين القوى على الارض، من خلال سعي كل طرف لتحقيق التفوق العسكري بما يضمن ترجيح الكفة وفرض الشروط، عند بدء التفاوض الجدي والحاسم في مفاوضات وقف اطلاق النار الدائم، والتي ستحدد ما الذي سيحدث بعد الحرب، ومصير قوات الدعم السريع قيادة وجنود استنادا لحجمها، وما تمتلكه من سيطرة فعلية تمكنها من فرض اشتراطاتها، أو اخضاعها لإرادة القوات المسلحة وسلطتها.
• المعادلة التي تتحكم في كل شي تتعلق بما بعد الحرب، وهي؛
– إذا حافظت قوات الدعم السريع على سيطرتها الراهنة، واحتلت المزيد من المواقع العسكرية الإستراتيجية، مثلما تحاول أن تفعل من خلال الهجوم المتكرر على مقار أسلحة المهندسين والمدرعات وقاعدة وادي سيدنا ومحاولة احتلالها، وسعيها لتوسيع نطاق عملياتها في الولايات المختلفة، هي محاولة الحسم النهائي للمعركة، وفرض سيطرتها على أيا من هذه المواقع الاستراتيجية، يعني انها عمليا قد احدثت تحولا استراتيجيا ضخما، يصبح معه حسم الحرب مسألة زمن، وعندها ستجلس كطرف عسكري مساو للجيش إن لم يكن أعلى منه، وتفاوض من اجل ضمان عملية دمج طويلة المدى ومتدرجة تستغرق سنوات وفق تصور قادتها، تحتفظ خلالها بقواتها مثلما كان الحال قبل الحرب، وبصيغة استقلال قيادي نسبي وبوضعية قيادية لهؤلاء القادة، في هرم القيادة العسكرية والسياسية للدولة.
– وإذا استطاعت القوات المسلحة تدمير مقدراتها العسكرية، وفك احتلالها للمناطق الحيوية ودحر سيطرتها على المدن، وهو الوضع الذي يسعى لتحقيقه الجيش، عبر توسيع نطاق المواجهة والعمليات لمختلف مواقع سيطرتها، باستخدام كثافة وقوة النيران عبر الطيران والمدفعية، وأحداث اختراقات نوعية وحاسمة على الأرض في المدن الثلاث للعاصمة عبر اشتباكات مجموعات المشاة، في الخرطوم وامدرمان وبحري وبما يشمل شرق النيل، تؤدي لإحداث أكبر قدر من الضرر في صفوفها، وفك الاحتلال على ايا من هذه المدن الثلاث، وتصبح نقطة ارتكاز ومعبرا لعملية عسكرية أكبر وأشمل للمدن المتبقية، لأنها ستوفر الدعم المعنوي المطلوب، وتصبح قاعدة للانطلاق وتضييق الخناق، وصد أي هجوم محتمل في ولايات السودان المختلفة.
وفي حال نجاح هذه الاستراتيجية، فأنها ستقود لتحول جذري في المفاوضات، لبحث مصير القوات المتبقية لا الجيش عندها، أو ستنهي المعركة لتصبح مطاردة للقوات الهاربة ساعتها، وتقفل الباب عمليا أمام مسارات التفاوض الخارجي.
• وقد كسبت القوات المسلحة حاليا مزيدا من الوقت، من خلال تعليق التفاوض بسبب عدم انسحاب الدعم السريع من المستشفيات ومنازل المواطنين والمنشآت المدنية، وبينما تدير معركة سياسية لهزيمته سياسيا واخلاقيا، فإنها ستصعد عملياتها العسكرية على الأرض، لقلب المعادلة التي تشكل اساسا للتفاوض.
• المناورة التي يديرها الطرفان مع المجتمع الدولي، هي كسب الوقت، أو “جر هوا” بلغة العسكرية، بمعنى عدم رفض التفاوض كمساحة للتحرك الدبلوماسي والسياسي، وإثبات الرغبة في انهاء الحرب، والتوصل لاتفاقات فضفاضة وهشة تفتقر لصيغة الإلزام واللاذعان، والتعلل بخرق كل طرف لها كمبرر للدفاع عن النفس.
• وهي مناورة يضيق الزمن عليها يوما بعد يوم، مع تزايد نتائج الحرب الكارثية على المدنيين، وزيادة الخسائر في الأرواح، والأضرار الكبيرة على المرافق والمنشآت المدنية، والتدهور الشامل في الوضع الإنساني لملايين من المتضررين من استمرار الحرب، وتزايد الضغوط الدولية واتساع نطاقها بدخول اطراف متعددة لساحتها، وقد تدفع بمشروع للتدخل الدولي خارج المنظومة الدولية، باتت تتشكل ملامحه من خلال تحركات مجلس السلم والأمن بالاتحاد الافريقي كممهد اقليمي، في تنسيقه مع الولايات المتحدة والمجموعة الاوربية.
• لذلك فالمتوقع وقبل أن تفلح الجهود الدولية في إعادة الطرفين لطاولة التفاوض، والبدء في عملية الحوار حول مقترحات وقف اطلاق النار الدائم، أن يشهد مسار العمليات العسكرية تصعيدا كبيرا وفي كافة المناطق، ويستعد كل طرف لمعارك حاسمة وكبيرة تحقق له التفوق العسكري والسياسي، بما يضمن موقع المقعد الأعلى في أي طاولة.
• اما البعد السياسي لهذه الحرب والجهات المستفيدة منها، والدور الغائب والمفقود للقوى المدنية، وما يمكن ان تقوم به من تصعيد لوقف هذه الحرب، فذلك ما سنتطرق اليه قريبا.