صلاح الزين يكتب: الحرب والمكان ….مفكرة الحرب (3)
” تعتذر مداميك للأستاذ صلاح الزين والقراء عن بعض الاخطاء التي وردت بالمقال ونم تصحيحها ”
صلاح الزين
يمكن تعريف المكان، ضمن تعريفات أُخر، بأنه صُرة ذكريات وروائح أو، قل، قطيعٌ يُعرَف برائحته لا عصا الراعي ومواسم التعشير.
إنه تقاطع المكان والحيز عند منتصف الحكاية وما ترويه مِن ذكريات، الصدقُ ليس أحد شروطها.
تُعرَف الحرب بأنها عدوة المكان. لا تحبه ولا تحب منتصف الحكاية وتكره أن يكون لها مكانًا وحيزًا ليروي حكاية المكان.
الحرب هي منتصف النهار آن لا يكون للموجودات ظل يُعرِّفها ويهبها قَدرًا من التقدير والاعتبار لتكون. معنيةٌ أكثر بقضم الحيز من المكان حتى لا يكون المكان لحافًا للذكريات ومخدةً تسند النومَ وصَحوَهُ.
الحرب لا تنزِل من السماء إذ لا سماء لها كما الغيم والرحمة. الحرب تقيم في الجلوس ولا تترجل من علّ. هي دوماً هناك، هناك كخاطرة أو عطسة تتخايل. تخفي نفسها في مرايا التمويه والمباغتة من غير أن تكسر المرآة لتبدو كحتم الضرورة، فتكون.
المكان مرآةُ عورةِ الحرب وسفورُها حتى تكون كاملة الوضوح كلعنةٍ مثابرة.
المكان سماءُ الحرب وأرضُها عندما تترجل بساقين وفصاحةٍ في القول ليس فيه مسك ختام ولا حسن نوايا تجاه ذات المكان، فتدكه لكن يستعصى عليها إفناؤه !!
بالمقابل، المكان يعيد تعريف الحرب كممحاة لِما يرفل فيه المكان من بِركَةِ ذاكرة و ذكريات، فينتصر.
الذاكرة شقيقة الأبد وماء الذكريات والماء لا يجف، فقط يتبخر ليهطله سحاب وغيم. فكان أن كان لحرب الخرطوم “قرية” و”بلد” كخنجر في خاصرة الحرب !!
تضيق جنبات الحرب بما تقتلُ من عِبادٍ ولا تضجر حيزات المكان من ضحايا الحرب فذاكرة المكان بشساعة سماء وسماحة إله يغفر لعباده إن أثموا. فإن حَرَمتْ الحربُ وعنفُها زَفَّ موتاها إلى إلفة القبور وأُنسِها يعدُّ لهم المكان ما استطاع من قبرٍ كريم: باحة بيت أو حديقة خلفية إن في روضة أطفال أو مستشفى.
تتفوق الحرب على المكان بإيمانها بِدينٍ وكتابٍ محمول على أكتافِ شيوخٍ وفقهاء يستعجلون الموت والفناء ليشربوا خمرًا حلالاً قالوا بحرمته في الحياة وسِعة المكان.
فيكون “المكان” الما قبل الحرب لا وجود له إلا تالٍ ل”مكانٍ” استولده الما بعد الحرب: فالحرب حربٌ ضد الذاكرة وقبو نبيذها !!
تجلس الحرب على مقربة من حرب أخرى. فالحرب حربان والمكان واحد كإلهٍ ورمل. الحربُ تحزمُ أمتعتَها وتغادر، تغادر إلى حيث كانت ومكثت منذ أزَلِها، بالقرب من المكان المشغول بتطريز شؤون يومه لا شؤون الحرب “الهناك”.
ليست كالمكان، الحرب معنيةٌ بشؤونها وما غَفَلَ عنه المكان وازدراه، كَصيرَفيٍّ يوزِّعُ عطرَهُ وتحاياه على مقاعد الجالسين.
الحرب فيها مِن شيمِ وكرمِ ورحمةِ الأنبياء ما لا تغفل فيه أحدًا أو شيئا.
تعد قافلتها وضوضاءَها وتغذُّ السَيرَ مِن “الهناك” نحو “الهنا”.
لها حريةَ أن تصطحب من تراه أنيسًا وعونًا على قفرِ السير ووحشتِهِ. فكان أنْ استأنست، من بين ما استأنست من جوقةِ السُمّار، بصحبة “الحكامة شادن” وحكمتها. فالحرب تحتاج لحكمةٍ ذربةٍ حتى تكون حربًا بأناقةِ ملاكِ الموت ومهارةِ صيادٍ بصنارةٍ وطُعمٍ.
حطت في “الهنا” ونثرت تعَبَها، بالتساوي كما عادتها، رذاذًا على الشرفات والأحياء والأمكنة وطُرقاتِها.
فهي تٌعرِف الأمكنة كما يعرف النمل درْبَهُ في الغُدوِّ والرواح.
لا تثقل كاهلها بما يقول ويبدو عليه المكان. الحكمة عندها حادي المسير والوصول موت الحادي ولا جدواه.
الحرب شجرة في حرب الشجرة على الغابة. لا تستسيغ حكمة التعدد خارج تعدد الهلاك وضُروبِه.
وبهذه الحِكمة تعلن حربَها على المكان وحِكَمِه. لا مكانَ في بَهْوِها يتسع لوسامةِ قولِ “الحَكّامة شادن” وحكمتها: تكره ماء طهرها كما تكرة شجرة الحراز غابةً مشمولةً بهطول الغيم ورفقة النبع للظباء. طااااخ تقتلها، آي والله، وتذهب لا تلوي على شيء.
الحرب تأتي لتذهب كخيبة تم استدراكها وإن لم يكتمل: هكذا يقول المكان. الحرب رنين جرس ينكسر فيخبو صوته ويبقى صداه كقافلة غَشيَ دربها ريحٌ عجول، يستطرد المكان.
ترى هل يكون مكانُ ما قبل الحرب هو ذات المكان بعدها؟ مندري !!
التعليقات مغلقة.
” تتفوق الحرب علي المكان بإيمانها بدين و كتاب محمول علي أكتاف شيوخ وفقهاء يستعجلون الموت ……
كتابة بطعم الزمان ،ببرهاته ولحظاته وانفجارات الجماجم فيه… وتصدع الاصوات
شكرا الرائع صلاح.