‫الرئيسية‬ مقالات فلتتوقف الحرب وتبدأ السياسة
مقالات - 26 مايو 2023, 8:12

فلتتوقف الحرب وتبدأ السياسة

فكي علي
لا أعتقد أنّ عاقِلاً يمكن أن ينحاز إلى الدعم السريع في هذه المعركة، فبخلاف كونها قوة تقودها أسرة تدافع عن مصالحها السياسية والاقتصادية تحت لافتة دعم التحول الديموقراطي الذي كذبت ممارسات جنودها هذه الدعاوى المعلنة للعالم، حيث لم يسلم حيٌّ مِن انتهاكاتهم، لن ينحاز لها إلا من تضمن لهم حضورا في مشهد اقتسام كعكة السُّلْطة ما بعد الحرب، أو يعتقدون أنها تُعبّرُ عن وجودهم من حواضنها الاجتماعية، ولن ننسى الحمقى المصابون بفوبيا الكيزان، فالأمر محسوم من هذه الناحية.
لو سلمنا جدلا بفرضية قومية الجيش وقابليته للإصلاح لاحقا بغرض دعمه الآن كآخر درع من دروع الدولة المتساقطة ، بل الغائبة عن كثير من ربوع البلاد، ولا أدل على غيابها شيء كالدعم السريع نفسه، نقول لو سلمنا لمصلحة الجدل للجيش بكل ذلك، فما هي الضمانان التي قدمها للمواطنين للتمسك بدعمه في هذه الحرب؟ فالبادي للعيان هو حرصه الشديد على الدفاع عن مقارّه الرئيسية، حيث يستبسل الجنود في حمايتها، القيادة، وداي سيدنا، المدرعات وغيرها من المقار، وعجزه الواضح عن حماية المدنيين، حيث ترك الأحياء نهباً لانتهاكات المليشيا والمتفلتين من العصابات وضِعاف النفوس! والأدهى والأمر هو تضليل الناس عبر قيادته وخبرائه الإستراتيجيين منذ بداية الحرب بوضع سقوفات لإنهاء المليشيا ليس ابتداءً بيومين فأسبوع وأسبوعين وها نحن ذا نرزح تحت جبل الأربعين وماشين في السكة نمد!
بدأ الناس بفقد الثقة في قدرة الجيش على حسم المعركة، وتفطّن كثيرٌ منهم إلى خيار أخف الأضرار، ألا وهو وقف الحرب، ليس دعما للمليشيا ولكن يأساً مشروعاً من قدرة الجيش لطبيعة المعركة، فبعد مرور أربعين يوماً على الحرب ما يزال الوضع الميداني كما هو عليه في العاصمة المنكوبة، وبدأ عقد الهُدَن ينفرط في الفاشر والجنينة ونيالا، وهي مدن محفوفة بألغام الحرب الأهلية الوشيكة إن لم يتوقف الاقتتال الدائر الآن.
يبدو أنّ قيادة الجيش طففت من حجم الدعم السريع، فأغرت السفهاء من أبواق الحرب بضرب طبولها فضلوا وأضلوا، وهنا لا أعني من لا يسعنا المزايدة على نزاهتهم ووطنيهم وفطنتهم ممن أغشى صنم الدولة بصيرتهم عن بئس المصير الذي نسير بخطى حثيثة في اتجاهه، ولكني أعني أنس عمر والجزولي ومن حذا حذوهم.
توقف الحرب لا يعني وضع السلاح وهزيمة الجيش، بل يعني إسكات البندقية واللجوء للحلول السياسية، والحلول السياسية لا تعني العودة لمنصة الإطاري سيئ الذكر، فقد تجاوزه الزمن مع أول طلقة جوار المدينة الرياضية.
ستحدث هذه الحرب اختراقا كبيرا في المشهد السياسي الذي انسد بعبث الساسة والعسكر، فقد علم كلٌّ قدره، تضرر الجيش، وتضرر الدعم السريع، واستنزِفوا لحد بعيد، كما فقدت الحرية والتغيير الكثير من وزنها السياسي الذي استمدته من تمثيل الثورة المغدورة، ونتيجة لكل ذلك تتضاعف احتمالات التوافق العريض حول الحدود الدنيا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، توافق لقوى سياسية ومدنية واجتماعية تهدد الحرب مصالحها السياسية والاقتصادية، ولا منتصر في مثل هذا النوع من الحروب العبثية مهما دبج أبواقها المقالات بالكرامة والسيادة الزائفة.
فلتتوقف الحرب وتبدأ السياسة

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 0 / 5. Total : 0

كن أول من يقيم هذا المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *