
مشاهدات صحفي تحكي أوضاع مدينة نيالا عقب أسبوع الحرب الدامي
نيالا : عيسى دفع الله
اصابني الغثيان من انبعاث روائح الجثث المتعفنة وانا اضع قدماي علي سوق نيالا العريق للمرة الاولي بعد اسبوع دامي حدثت خلاله معارك طاحنة بين الجيش ومليشيا الجنجويد داخل مدينة نيالا .. قابلت بداية الجولة تجار في السوق اتوا لنقل بضاعتهم الي خارج السوق لمكان امن افادوا بوجود جثث داخل المحلات المحترقة وبعض المباني المدمرة في أغلب ازقة السوق والطريق الرابط شرق المستشفى بشارع جبل مرة .
بدأت جولتي في سوق نيالا من الجهة الشمالية المتاخمة للمسجد الكبير ورائحة الجثث المتحللة تزكم الانوف وتطرد العابرين من تلك الجهة إلى داخل السوق الذي ليس بأفضل حال حيث يصطدم العابر الي هناك بجثة ما زالت ملقاة على الأرض بالقرب من بقالة المسجد الكبير في انتظار من يكرمها بالدفن وعلي البعد منها أربع جثث منتفخة بدأت في التحلل بالقرب من البنك الزراعي أمام متجر بحر فون.
هذا السوق العريق الذي كان يضج بالناس ويجدوا صعوبة في عبوره من الزحام بات خاليا تماما الا بضعة سيدات يفترشن الخضروات وبعض الصبية يبيعون البصل والزيت وعدد قليل من الجزارين بعد ان قضت حرائق معارك الجمعة على 50% من المحلات التجارية إلى جانب 30% تعرضت للنهب 20% بينما يسعى أصحابها لنقل بضاعتهم إلى داخل الأحياء السكنية.
اما المستشفى التعليمي الذي يرتاده الفقراء وهم أغلبية سكان مدينة نيالا فان ابوابه باتت مغلقة نتيجة المعارك المدمرة التي شهدها محيطه وأوصدت كل الصيدليات في المنطقة أبوابها تماما ونقل ملاكها الأدوية لمنازلهم .
ويبدو أن حكومة جنوب دارفور فضلت الصمت في وقت الحديث المقرون بالعمل وتوقفت حتى تصريحات مقتضبة من المسئولين لتبصير المواطن بما جري وتدابير توفير الخدمات والسلع.. وصمتوا صمت القبور ليتركوا المواطن يواجه مصيره أمام جشع تجار الازمات.
حاولت اتسوق ببعض السلع الضرورية وجدت ان اسعارها ارتفعت دون مبرر إلى أكثر من 300% وعلي سبيل المثال كانت قطعة رغيف الخبز في نيالا في المخابز قبل الحرب كانت ب50 جنيها أما الآن يتراوح سعرها ما بين 150جنيه إلى 200 جنيه ومع ذلك فهو غير متوفر وينتظر المواطن في صفوف طويلة أمام المخابز للحصول علي قطعة خبز تسد الرمق.
اثناء تجوالي بشوارع المدينة رصدت ان 80% منها نصبت عليها المتاريس والحفر بعمق متر في متر لمنع وصول مليشيات الجنجويد التي تستخدم سيارات الدفع الرباعي والدراجات النارية لاجتياح الأحياء السكنية واستباحتها نهبا وسلبا. كما شكلت أغلب الأحياء لجان لحمايتها من المليشيات مسلحين بالعصى والاسلحة البيضاء واحسب للمجتمع المدني توعيته للمواطن وتبصيره بمخاطر التسليح الناري لتداعياته السلبية مستقبلا على المجتمع رغم انفلات الأمن.
وهكذا تمصي الحرب بمأساتها وليس هناك أي بريق أمل في أن تتوقف وينصلح الحال في أجل قريب .. خاصة وأن فصل الخريف على الأبواب والمزارعين بدأوا في بيع التقاوي التي جهزوها لموسم الزراعة بسبب الفاقة الناجمة عن استمرار الحرب وتعطل كل أشكال الحياة.