‫الرئيسية‬ مقالات المقاومة السلمية للاستبداد في السودان
مقالات - 11 مارس 2023, 7:25

المقاومة السلمية للاستبداد في السودان

عصام عثمان

في ظل هذا التغيير الكبير في الوضع السياسي، مرت اللجان باختباراتٍ وتجارب عملت من خلالها على استكشاف الواقع السياسي الجديد والتفكير في وضعها فيه. كان الوضع الغالب في بداية الفترة الانتقالية هو تصوير اللجان كدرع حماية للحكومة النصف مدنية، وهي الرواية التي قدمتها القيادة السياسية بأن الحفاظ على الشراكة من احتمالات انقلاب العسكر هو مهمة لجان المقاومة.
أماكن السكن والعمل مساحة لأشكال مختلفة من المقاومة من خلال ممارسة سلطة الشعب على واقعه والتطور وذلك بلا شك بتكوين المنظمة الثورية القائمة على منهج تحليل ثوري للواقع، وهي الضلع الثاني الذي لا غنى عنه للمقاومة بجانب تنظيمات أماكن السكن والعمل، لتقدم الموقف الثوري المتكامل وتستفيد من تطور التنظيمات الجماهيرية، وتفيدها بالحلول غير المحدودة بمعوقات التنظيم الجغرافي أو الفئوي.
لجان المقاومة ليست مجرد أجساد و بالمواثيق تُبيِّن ذَلِك.
صاحَبَ التطور التنظيمي لجان المقاومة كذلك تطوراتٌ على مستوى الموقف السياسي، فلجان المقاومة واجهت منذ الانقلاب تجاذبًا عاليًا بين موقفها الرافض للشراكة أو التفاوض مع الانقلاب وبين موقف النخب الداخلية والخارجية الساعية إلى تفصيل مساومة جديدة مع العسكر. شملت مناورات النخب الحاكمة اتفاقًا في 21 نوفمبر 2021 بين المجلس العسكري ورئيس وزراء الحكومة المنقلب عليها ، ولم يتمكن هذا الاتفاق من إيقاف التظاهرات ضد الحكم العسكري والمطالبة بالمدنية الكاملة، رغم الدعم الدولي له، انهار باستقالة رئيس الوزراء بعد أقل من شهرين دون تشكيل حكومة.
جاءت كذلك مناوراتٌ عديدة من الأطراف الإقليمية والدولية المضادة للثورة، وضمنها بعثة الأمم المتحدة في السودان، التي عملت على دفع اللجان نحو عملية حوار مع العسكر. تخللت العملية دعواتٌ متعددة من قِبَلِ بعثة الأمم المتحدة للجان المقاومة بالاجتماعات ومشاورات قوبلت معظمها إما بالرفض وإما التشكيك وإما المطالبة بالبث الحي للاجتماعات، وهو ما رفضته البعثة ببجاحةٍ شديدة، موضحة رفضها للشفافية ودعمها لمناورات الغرف المغلقة بعيدًا عن الجماهير. أدت كل هذه الضغوطات لتكاثر الحديث في المجال العام حول ميثاق سياسي وخارطة طريق جديدين يؤطران مطالب المقاومة ووسائلها وشرعت اللجان في صياغة المواثيق السياسية.
اصبحت لجان المقاومة في السودان ومنذ تأسيسها تمثل روح الثورة وقلبها النابض وحارسها و هي ابتكار من عبقرية الشعب السوداني في تنظيم صفوفه لإنجاز أهداف الثورة و تحقيق مطالبها، من اجل ذلك عمدّت لجان المقاومة في كل البلاد بضرورة وأهمية وضع رؤية برامجية، تعبر عن أهداف الثورة ومطالبها باعتبارها صاحبة المصلحة الحقيقية في إنجاز تلك !الأهداف، وتحقيقها ممثلة في الشعارات التي ينادي بها الشعب في الحرية و السلام والعدالة (الثورة ثورة شعب، والسلطة سلطة شعب والعسكر للثكنات والجنجويد ينحل)

(صحة وتعليم مجان.. والشعب يعيش في أمان) كالعادة الشهداء حضورا (شهدانا ما ماتوا.. عايشين مع الثوار المات ضمير خائن، حالفين نجيب التار)، لابد من التوثيق بعد ان تم
طرح النسخة النهائية للميثاق بعد المناقشات القاعدية التي تمت بعد عملية التدشين للميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب في 5 أكتوبر 2022 (الميثاق الموحد)
بعد أن تم الاتفاق على الدمج و التوحيد في 3 أبريل، ثم تم تكوين اللجنة الفنية المشتركة للجان الأقاليم والعاصمة و عقدت أول ورشة في 26 يونيو 2022، ستدخل في بناء الهيكل التنظيمي للتنسيقيات الموقعة مع طرح رؤية أو آلية وحدة ثورية حول الميثاق الثوري مع الأجسام الثورية والنقابية الأخرى،. مرّت طريقة إنتاج الميثاق بأكبر عملية نقاشات قاعدية تمت من قطاع واسع من بنات وأبناء الوطن، بداية بميثاق سلطة الشعب المطروح من لجان مقاومة مايرنو في 19 نوفمبر 2021م والتوقيع عليه من لجان المقاومة بتاريخ 6 ديسمبر 2021م،
بسنار في جنوب شرق السودان مقترح خارطة الطريق الذي طرح البدء في تكوين مجالس محلية من لجان المقاومة والنقابات للتصعيد للمجالس الأعلى،
وتبعه في نهاية الشهر نفسه مقترح لجنة حي صالحة بضواحي الخرطوم الذي قدم طرحًا لميثاقٍ سياسي للجماهير، والإعلان السياسي للجان مقاومة ودمدني بتاريخ 22 يناير 2022م ثم التوحيد مع الميثاق الثوري المقدم من اللجنة الميدانية بشمال كردفان بتاريخ 12 فبراير 2022م، وصاحب ذلك إنتاج لجان المقاومة بولايات البلاد الـ17 وأنتجت الميثاق الثوري لسلطة الشعب، بما يعرف بميثاق الأقاليم وحينها قامت تنسيقيات ولاية الخرطوم بإنتاج وتطوير ميثاقها بتاريخ 27 فبراير 2022م.
أعلنت لجان مقاومة العاصمة الخرطوم أيضًا مقترحها للإعلان السياسي تحت اسم ميثاق تأسيس سلطة الشعب. يصف العديد من أعضاء لجان المقاومة بالعاصمة تجربة إعداد هذا المقترح بالأهمية والمركزية في التدريب على المناقشة والتنسيق بين اللجان، والتي يفوق عددها في العاصمة على 800 لجنة، فالعاصمة الخرطوم يسكن بها ما يزيد عن ربع تعداد البلاد. وقد انعكست طبيعة العاصمة، في كثافتها العالية وقربها من الحكومة المركزية وتباين المصالح الاقتصادية بين مجموعات ساكنيها، في أوجه القصور التي شابت الإعلان، فجعلته أقل تماسكًا في حلوله المقترحة وأقل جذريةً في وجه القضايا الإشكالية ويفتقر إلى التحليل المتكامل للمشكلة السودانية مقارنةً بمقترح الميثاق الثوري (ميثاق الاقاليم ) خاصة في تحليله الاقتصادي وتعيينه للحكومة من اعلى إلى اسفل ابتداء برئيس الوزراء.

تم بعدها عملية نقاشات قاعدية واسعة وورش مشتركة للجان بكل الاقاليم وصولاً الى الميثاق المطروح، بالتدشين النهائي لمخرجات مقترحات لجان مقاومة الاقاليم و هو الميثاق الثوري، والانتهاء من صياغة وبلورة رؤيتها السياسية والتنظيمية، المتمثلة في الميثاق الثوري لسلطة الشعب، والهياكل التنظيمية للجان المقاومة الموقعة على الميثاق، والقوى السياسية التي ستوقع على هذا الميثاق.
إن إنتاج الميثاق الموحد قد استغرق وقتاً طويلاً وذلك لطبيعة تكوين لجان المقاومة وقياداتها الأفقية لعملها وتعبيرها عن أكبر قاعدة من الشعب السوداني.

بتحليل الواقع السوداني، وضع الميثاق تشريحاً للواقع السوداني منذ الاستقلال الذي يمكن تعريفه بأننا لازلنا ضحايا لطموحات الاستعمار الحديث ووكلائه المحليين مما قاد شعبنا نحو مزيد من الفقر والتشريد، وارتهان سياساتنا للخارج وانتهاك سيادتنا الوطنية.
و أكد رفض اللجان لسياسة التبعية التي لم ولن تقدم للشعب سوى مزيد من الإذلال والتخلف ونهب الموارد. أنهم بطرحهم الميثاق وهياكله يتطلعون لتقديم نموذج ثوري جديد لحكم السودان.
في ذات الوقت مناشدة إلى النقابات والأجسام الثورية والمطلبية، بعقد جمعياتهم العمومية وانتخاب قياداتهم المشتركة التي تعبر عن قضاياهم وتسعى لتحقيقها و على ضرورة تسمية مناديبهم للسلطة التشريعية بمستوياتها المختلفة حتى يتمكنوا معا من تحقيق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة، أن النقابات تمثل الجناح الثاني للثورة التي لا يمكن الوصول لإنجاز الأهداف بدونها،
و ينطبق ذلك على بقية الأجسام المطلبية والثورية بضرورة الوحدة، وكذلك الأحزاب السياسية وحركات الكفاح المسلح المؤمنة بإسقاط هذا الانقلاب والرافضة للتسوية لتشكيل تحالف عريض وصولاً لتكوين جبهة عريضة للعمل الثوري لإسقاط الانقلاب وتوابعه، ومن ثم العمل علي بناء الدولة التي ضحى من أجلها الشهداء،
عبر تحالف يتمثل في وحدة لجان المقاومة وتحالف قوى الثورة البرامجي ووحدة جماهير الشعب في تنظيماته الديموقراطية، بجانب العمل على تطبيق السياسات والبرامج المنصوص عليها في هذا الميثاق، ومعالجة أخطاء الحكومة الانتقالية السابقة وتحقيق العدالة الاجتماعية والعدالة الانتقالية و الجنائية وإقامة المحاكمات العادلة لكل الجرائم والانتهاكات، لاسيما جرائم النظام المباد لأكثر من ثلاثة عقود وجرائم وانتهاكات اللجنة الأمنية ابتداءً من فض الاعتصام وانتهاءً بالانقلاب العسكري في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ وجرائمه.
أي حكومة ثورية مسنودة بشعبها قادمة ستعمل وفق برنامج يعبر عن تطلعات الشعب في الحرية والسلام والعدالة والعيش الكريم.
نحن في السودان لسنا في أزمة وإنما في ثورة أقسمنا لشهدائنا أن نكملها ودونها القبرُ.
عاش كفاح الشعب السودان
وعاشت لجان المقاومة حارساً أمينًا للثورة .

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 0 / 5. Total : 0

كن أول من يقيم هذا المقال