‫الرئيسية‬ مقالات آراء حول موت الله وصعود رجل الدين!
آراء - ثقافة - 20 نوفمبر 2022, 10:41

حول موت الله وصعود رجل الدين!

محمد عثمان دريج

عبّر صديق عزيز عن دهشته البالغة حيال الفساد والعنف والكذب باسم الله الذي مارسه “الكيزان” (ولا يزالون) في السودان خلال الثلاثين سنة الماضية أثناء سيطرتهم على المشهد الحياتي (1989-2019)، عبّر غاضبا: “لماذا لا يظهر الله ليقول للكيزان أنتم كذبة، وما تفعلونه بإسمي هو مجرد كذب أشر وأنه لا يُمثلني؟”

بالتأكيد سيستهجن أصحاب “الإيمان الجزافي”، سيستهجن هؤلاء هذا التساؤل المشروع و المسئول ولربما وسموا صاحبه بالزندقة والكُفر، إلخ، على أحسن الفروض، أو دعوا إلى هدر دمه. ولكن لا يُجب ولا ينبغي أن يكون هناك سؤال ممنوع أو غير شرعي بالنسبة إلى الله! ولذا فإن استهجان السؤال، و بل إدانته، لا ينبُع من إيمان راسخ بالقدرة المطلقة لله، ولكنه يطفح كضرورة دفاعية رخيصة تُحتّمها “الهشاشة الإيمانية” وتصدع “الحيز الآمن” الذي يركُن إليه هذا الكائن الجُزافي. يعيش المؤمن الجزافي داخل بالون منسوج من خيوط الخوف والرعب. يعيش وهو ممزق ما بين جسده في العالم كتجربة وممارسة يحاول مرارا وتكرارا التبرؤ منه، وجسد آخر يتخيله ولكنه لا ينوجد كمكان أو حدث مُتعيّن في العالم ولكنه مع ذلك يدعي هو باستماته غريبة التماهي فيه/معه. هذا الجسد هو وجودً مُرتزقُ وآسن.

نقول، “مكان” الجسد المُتخيّل والآسن والمُرتزق، هذا الجسد الذي ينهض من بنية الخوف وفيها، من هذا التقيُّح يخرج هذا الكائن المؤسوم بـ” رجل الدين”!

النص، أي نص إنما يتُم إنتاجه عبر الجسد، ولا يُمكن قراءته إلا عبر الجسد! فنحن نُنتج/نكتب عبر الجسد ونحن نقرأ عبر الجسد! ولذا لا يُمكن قراءة النص، أي نص، إلا عبر توافر مساحة كافية لجسد القارئ، وهذا التوافر لا يُمكن أن يتُمّ إلا بضرورة تواري جسد قارئه الأول الكاتب، وبالتالي موت الكاتب! (موت الكاتب لا يعني بأي شكل من الأشكال انتفاء حق/حقوقه)، ولكن موته الكاتب الأوّل_ إنما يُحيله إلى قارئ أوّل، حيث يتوارى ككاتب (بوشيجة أن اللغة، وكذا الكلام، ممارسة اجتماعية) مُفسحاً المجال لولوج رتل من أجساد متنوعة وغير محدودة تنخرط في كتابة “النص الاوّل” ب/في سيرورة غير متناهية. على سبيل المثال، فإن الدالة “بنت الجيران” في نص القارئ الاوّل سرعان ما تُحيل إلى صور ذهنية غير محدودة لـ”بنت جيران” تُنتجها أجساد القراء (لكل بنت جيرانه/ا) المحتملين للنص الماثل بحسب ‘انخراط أجسادهم في اليومي، وقس على ذلك باقي الدوال وباقي المدلولات!

إذن هل يُمكن أن يحتل رجل الدين مكانا/موقعا أو مساحة في حضور المُطلق الواحد الآحد؟ لا يُمكن ولا ينبغي! ولكن لان الله لا يموت، فلن تكون هناك مساحة لينوجد فيها/عليها رجل الدين إلا إذا قام هذا الأخير باغتيال الله في هشاشة اللغة وعبر تسيُّد الكلام. يغتال رجلُ الدين الله حتى يقول قوله هو_اي رجل الدين. وهذا هو الشرط الوحيد والممكن لإنوجاد رجل الدين!

محمد عثمان دريج
zalingy@gmail.com

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 0 / 5. Total : 0

كن أول من يقيم هذا المقال